العهد الجديد

2- توجيه الموارد المالية التوجيه الأمثل

د. صالح الفهدي

لا يُمكن لدولة ما أن تنفذ سياساتها التنموية الطموحة، وترسم رؤيتها المستقبلية الواعدة إلا أن توجه مواردها المالية الوجهة الأمثل. وهذا ما أشار إليه جلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- في خطابه التأسيسي الأول للمرحلة المقبلة. فالموارد المالية هي الأساس الذي يتمُّ به تنفيذ المشاريع، وتحقيق السياسات، ووضع الرؤى والخطط موضع التنفيذ، وإلا كانت مجرد تخيلات، وأحلام وأماني دون وجود الموارد المالية الكافية.
الأمر الآخر أنَّ الدولة التي ترزح تحت المديونيات الثقيلة هي دولة ضعيفة الحركة، هزيلة البنى، هشة الدعامة، فالمديونيات الضخمة تعني أن جهد الدولة يذهب في قضاء الديون وفوائدها التي تتراكم بصورة كبيرة، فتصبح هذه الديون كالأغلال الثقيلة التي تغل حركة الدولة فتقعدها في مكانها لا تستطيع حراكاً، ولا نماءً!
واستطاعتْ بُلدان في العالم أن تتخلص من هذا الوضع غير الصحي للدولة، باتباع سياسات حازمة في الإنفاق، والترشيد؛ مما جعلها تمتلك من الوفرة المالية ما جعل صناديقها السيادية ذات قوة ومكنة انعكس عليها بإيجابية في طريقة التعاطي مع المشكلات الناجمة عن القوى البشرية التي تبحث عن وظائف ملائمة تسهم بها في بناء وطنها.
إننا ونحن نتحدث عن الصناديق السيادية، ليَجَب علينا أن ننوه إلى قوة دور هذه الصناديق في توجيه الاقتصاد، كما يؤكد الخبير الاقتصادي عبدالله باعشن: "أن دور الصناديق أصبح جوهريًّا لنمو اقتصادات المنطقة، ويساعدها في خطط للتحول من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد متنوع، من خلال تمويل الاستثمارات الكبرى بالاقتصادات المحلية".
إنَّ العملية فيما يتعلق بتوجيه الموارد المالية مرهونة بتحديد الاحتياجات السديدة التي يضمن مردودها الاستثماري أو التنموي قبل تنفيذها، ويحسب لها عائدها بدقة متناهية، فكثير من المشاريع التي تم تنفيذها بملايين الريالات لم تكن ذات نفع بعد أن استنزفت موازنات ضخمة، والسبب في ذلك أنها لم تُبن على دراسات واضحة صريحة.
وكما هي الحال في الصرف الشخصي الذي يتأرجح في القرار بين الحاجة والرغبة، فإن الحكومة هي أيضاً رهينة بهذه المعادلة، التي قد توجه على إثرها موارد مالية إلى وجهة غير سليمة بسبب "رغبة" وليس "حاجة" مما يضيع هذه الموارد التي يفترض أن توجه إلى قطاع صحي، أو تعليمي، أو تنموي أوغيره.
الأمر الآخر أن القضية ليست مرتبطة جميعها بـ"الحاجة" فقط، بل هي أيضا مرتبطة بالتوقيت؛ فقد ناقشت أحد صناع القرار منذ فترة ليست بالبعيدة حول تخصيص موازنة كبيرة لإضافة حارة على مسار قائم، متسائلا: هل هذا التوقيت مناسب لصرف مبلغ كبير كهذا في وقت تعاني فيه الدولة من أزمات اقتصادية؟ ومع تأكيدنا على أهمية الإضافة للمشروع، إلا أن هكذا موازنات يفترض بها أن توجه إلى وجهة أحرى بها في هذه الفترة الزمنية التي تتسم بشد الأحزمة، وتقليل النفقات، وترشيد الاستهلاك، لتخرج منها قويةً، صلبةً، لا تكسر فيها ظهر المواطنين بأعباء تحمل الأخطاء في توجيه الموارد وجهة غير سليمة؛ إذ لا يمكن تحميل المواطنين خطأ المسؤولين الذين لا يدركون أبعاد قرارتهم في اتخاذ المشاريع!
إن توجيه الموارد المالية الوجهة الأمثل يعني إدارتها بصورة صحيحة، وواضحة، وشفافة، بكل أمانة وكفاءة مما يستدعي أولاً وجود إستراتيجيات واضحة، لها أهدافها الجلية، وعوائدها المحسوبة، ثانياً: متابعة التنفيذ على الأرض، لضمان أن الوجهة سديدة لا انحراف فيها، ولا تسريب..! ثالثاً: المحاسبة الحازمة لأي تقصير مقصود، أو إهمال متعمد، أو تضييع للأمانة.
وهكذا يرتبط توجيه الموارد المالية التوجيه الأمثل من أجل خفض المديونيات وزيادة الدخل -وهذا هو الهدف- بالوسيلة التي يتحقق عبرها وهي "إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة"، والأمر في مجمله بحاجة لرؤية واضحة، ورؤية عمان 2040، تساعد في ذلك قرارات حازمة وشجاعة، ومتابعة منهجية دقيقة، وحريصة على كل ريال يتم إنفاقه.