خطاب رقم واحد

 

علي بن مسعود المعشني

لاشكَّ عندي أنَّ الخطاب رقم "1" لمولانا جلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظم- حفظه الله ورعاه- بعد خطاب رثاء السلطان الفقيد جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور- رحمه الله وأحسن مثواه- وتحديد ملامح وثوابت العهد الجديد، يُعتبر خطابًا تاريخيًا بكل المقاييس، وامتدادًا للعهد القابوسي وبناءً عليه، وفوق ذلك برنامج عمل وخارطة طريق لعُمان الغد.

فهذا الخطاب- مع فارق الزمن- يعود بنا إلى مطلع فجر النَّهضة المباركة في 23 يوليو 1970م؛ حيث حمل أوجه تشابه إلى حد التطابق مع عبارات السلطان المؤسس قابوس ووعده لشعبه الأبي بالتسريع في وتيرة التنمية لجعلهم يعيشون سعداء، وحتى تعود عمان إلى أمجاد عُمان الأمس، ويعيش المواطن العُماني على أرضها مُعمرًا لها ومُتنعمًا بجود خيراتها الوفيرة، وفخورًا بصيتها المُعاصر وتاريخها التليد معًا.

كلمات وجُمل خطاب سُلطاننا المُظفر هيثم بن طارق، استنطقت الواقع ورسمته كما يخالج مشاعر كل مواطن ويلامس وجدانه بلا شروح ولا وسيط، وكأنَّ هذا الخطاب التاريخي صيغ باستفتاء شعبي وبمنطوق سامٍ، وهذا يعبر عن دلالات عميقة لنظرة جلالته ورؤاه لعُمان الغد في عهده.

ولا ريب أنَّ خزين تجربة الدولة بكل مفرداتها وأوجهها كانت حاضرة بعمق وقوة لدى المقام السامي، لهذا لم تعييه صياغة المُفردات ولا منطوقها كونها موسومة في العقل والذاكرة.

لا بأس أن نستعيد في هذه العجالة أبرز النقاط التي وردت في الخطاب السامي:

•    إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة

•    التعليم والبحث العلمي

•    النزاهة والمساءلة والمحاسبة

•    مراجعة أعمال الشركات الحكومية

•    دراسة آليات صنع القرار الحكومي

•    توجيه الموارد المالية التوجيه الأمثل لزيادة الدخل وتخفيض المديونية

•    تدريب الشباب وتمكينهم

•    دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة

•    إطار وطني كامل للتشغيل للقطاعين العام والخاص

•    أن تسود النزاهة كافة القطاعات

تُبين النقاط أعلاه مدى التناغم بين القيادة وشعبها في رسم ملامح المُستقبل عبر مراجعة تلك المفاصل الحيوية والتي ستُشكل أسس الدولة في العهد الميمون الجديد.

فمما لاشك فيه أنَّ إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة هو مطلب ملح منذ سنوات، والعبرة هنا ليست في ترشيق هذا الجهاز أو دعمه بتكنوقراط أو دماء جديدة وكما أعتدنا في العقود الماضية، بل في إعادة النظر في منظومة عمل الحكومة برمتها بوجهيها التشريعي والإداري قبل الحديث عن أي تغيير في الطاقم الحكومي.

فهذه المُراجعة الشاملة إذا لازمتها العلمية والواقعية فستنتج لامحالة حكومات فاعلة وحيوية، وستستقطب عقولاً جديدة وأنماط تفكير جديدة للتنمية وتنويع مصادر الدخل وكيفية مواجهة مشكلات الدولة المُتكررة كالباحثين عن عمل وتقنين الإنفاق الحكومي وتعظيم عوائد الدخل وفق حلول عملية دائمة وفاعلة.

لا بد لنا من الإقرار والتسليم بأهمية نشر ثقافة العمل الحر بين المُواطنين في العهد الجديد، والانعتاق من فكرة التوظيف الحكومي، هذا التوظيف الذي قنن البطالة المُقنعة ونشر ثقافتها وجعل بند الرواتب يمتص ما يُقارب ربع دخل البلاد وبلا عائد ولن يتم ذلك السعي بنجاح إلا بجملة من المحفزات ورسائل التطمين للشباب لترسيخ ثقافة العمل الحُر، وذلك عبر جملة من المحفزات منها إعادة النظر في منظومة مؤسسات التمويل واشتراطاتها وهوامش عملها، وتشجيع القطاع الخاص والشركات الحكومية للقيام  بدور الحواضن الكبرى لمشروعات الشباب المتوسطة والصغيرة، كمنافذ تسويق لمنتجاتهم، وعلى رأس تلك الشركات وأهمها الشركة الوطنية للمنتجات الزراعية، والتي يرجى منها استقبال وتسويق كافة المنتجات الزراعية والحيوانية والسمكية للشباب، كون هذا القطاع يمكنه استيعاب الآلاف من الشباب براحة واطمئنان، إضافة إلى كونه قطاعا اقتصاديا تقليديا عريقا للسلطنة وللعُمانيين يُمكن البناء عليه وتطويره ليصبح قطاعًا عصريًا ورافدًا مهمًا من روافد الاقتصاد الوطني.

يضاف إلى ذلك، أنَّ جملة التشريعات المعمول بها في سلطنتنا الحبيبة عفا على الكثير منها الزمن، وأصبحت ليست مُعيقة للاستثمار والتنمية فحسب بل معطلة للفكر والإبداع والخلق كذلك الأمر الذي يوجب ضرورة مراجعتها أولًا ثم إيجاد آلية دائمة لمتابعة وتقييم ومراجعة أي قانون جديد يثبت عدم مواكبته لطموح الدولة ومصالحها العليا.

الأمر الثاني المهم بالنسبة لي، هو كيفية تحقيق موارد مالية للدولة تُعزز من دخلها وتقضي على العجوزات المتكررة في موازنة الدولة، فأنا من الذين يعتقدون بأنَّ عصب مشاكلنا ليست مالية بقدر ماهي إجرائية وتشريعية وعقلية، فعبر مراجعتنا للكثير من الأمور الإجرائية والتشريعية وأوجه الإنفاق في الدولة سنكتشف مواطن خلل هنا ومواطن كسب ودخل هناك، فهناك أوجه كثيرة لتعزيز الدخل لم نطرقها بعد، في ظل تسلحنا بعقلية ونظرية البعد الواحد (المال يساوي التنمية)، والصحيح أن قرارًا واحدًا يتعلق بمُراجعة نظام تأشيرات الدخول- مثلًا- كفيل بإدرار المليارات على خزينة الدولة ناهيك عن تبسيط الإجراءات ودوره في استقطاب الاستثمارات المحلية والخارجية، وكذلك وضع خطة لكيفية الاستفادة من مليوني وافد واستثمار وجودهم ماديًا وأبعد من البطاقة والغرامات وخلافه، كفرض ضرائب دخل سنوي وعلى التحويلات أو إلزامية التأمين الصحي أو إدخالهم ضمن التأمينات الاجتماعية برسوم رمزية وعن مدد مُحددة، إضافة إلى ضرورة إقامة مناشط وفعاليات لهم.

الخطاب السامي وكما ذكرت كان خطابًا أقرب إلى نبض الشعب وبصيغة استفتائه منه وبالتالي فلا اجتهاد معه سوى ترقب ترجمته على أرض الواقع ثم التعليق على تلك الخُطى المظفرة بإذن الله تعالى.

قبل اللقاء: "أبناء عُمان الأوفياء : إنَّ الانتقال بعُمان إلى مستوى طموحاتكم وآمالكم في شتى المجالات سيكون عنوان المرحلة القادمة بإذن الله" جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه-.

وبالشكر تدوم النعم..