د. آسية البوعلي
استرعَى انتباهي ملَّخص البحث الذي نُشِر في جريدة عُمان بتاريخ 21 يناير 2020، والذي كان بعنوان "مشروع بحثي يبحث مدى استجابة مريضات سرطان الصدر للعلاج الكيماوي"، بقلم د. نورة بنت سالم الزهيمية.. لن أخوض في تفاصيل العناوين الجانبية لملخص البحث، والتي هي: (مرض غير متجانس، أورام متقدمة، الحالة الفيسيولوجية)؛ كونها طبية بحتة وخارجة عن نطاق تخصصي الأكاديمي.
ما يهمُّني كناجية من هذا المرض، هو لفت الانتباه إلى ما جاء في صدر المقال من أن سرطان الثدي هو أكثر أنواع السرطانات انتشارًا بين نساء السلطنة، وأنَّ إحصائيات وزارة الصحة بالسلطنة للعام 2016 أظهرت أنَّ نسبة الإصابة بسرطان الثدي في تزايد خلال العشرين عامًا الماضية، وأن هذا المرض يصيب النساء العُمانيات في سن مبكرة. وهذه حقائق لطالما سمعتها من الأطباء أعضاء مجلس إدارة الجمعية العُمانية للسرطان التي تشرفت بعضوية مجلس إدارتها لست سنوات على التوالي.
وفي يوم ما، قرأت إحصائية في الصحف المحلية ترصُد عددَ حالات السرطان المسجلة رسميًّا في مستشفيات السلطنة؛ وهي ما يقارب الألف حالة سنويًّا، ومنها سرطان الثدي بالطبع، هذه هي الحالات المسجلة رسميًّا، ناهيك عن الحالات غير المسجلة. وأن الكثير من حالات سرطان الثدي يتم اكتشافها في مرحلة متقدمة نسبيًّا.
وعودة إلى ملخص البحث المذكور أعلاه، تقول الباحثة: "إن العوامل التي تحدد درجة استجابة المريضات للعلاج (أي الكيماوي) ليست مفهومة بالكامل"؛ الأمر الذي يجعلني أناشد السيدة الجليلة حرم صاحب حضرة الجلالة السلطان المعظم -حفظه الله ورعاه- بالقيام بالدور التشريفي على سلسلة من الأبحاث والدراسات التخصصية التي تسلِّط الضوء على حالات سرطان الثدي من زوايا أخرى غير الزوايا الطبية. فمثلاً: هل هناك علاقة بين إصابة المرأة بهذا المرض والظروف المحيطة بها اجتماعيًّا ونفسيًّا واقتصاديًّا وبيئيًّا؟ وبصيغة أدق: البحث عمَّا مرت بها المرأة لسنوات قبل إصابتها بالسرطان. وهل توجد علاقة بين مرض السرطان وحالات الوعي واللاوعي؟
زيادة في التوضيح، سأوجز تجربتي مع سرطان الثدي الذي اكتشف فيَّ بتاريخ 6 أكتوبر 2009م، ولمَّا كانت حالتي تمثل مرحلة مبكرة جدًّا، أحمد الله أنني لم أحتج إلى أية علاجات. لكن سَرْد المرحلة السابقة قبل إصابتي أراه مُهمًّا؛ إذ ربما سيُعزز ما أذهب إليه من فكرة. أنني ولفترة تسع سنوات أي منذ سنة 2000م وعودتي إلى عُمان بعد تخرجي وحصولي على درجة الدكتوراه، كنت كلما سمعت عن شخص أصيب بالسرطان، وبصرف النظر عن نوع السرطان أو جنس المصاب، ينتابني الهلع النفسي والهاجس الفكري، وأسأل ذاتي تُرى متى سيأتي دوري مع المرض؟
من حُسن حظي أنَّ لديَّ خلفية عائلية تشكل كتيبة من الأطباء بمختلف التخصصات، فكان من الطبيعي أن أُفصِح عما يقلقني لأقربائي من الأطباء، ومن الطبيعي أيضًا أن يتم توجيهي التوجيه الصحيح استنادًا إلى حقيقتين؛ هما: أنني من ناحية والدتي، هناك حالات إصابة بالسرطان لأقرباء من الدرجة الأولى، والحقيقة الثانية: أن عمي الراحل البروفيسور مسلم البوعلي توفي به أيضًا. والسؤال الذي لطالما سألته لعائلتي: هل معنى هذا أنني سأصيب به حتمًا؟ الإجابة لم تكن نفيًا مطلقًا ولا تأكيدًا مطلقًا، بل إنَّ احتمالات الإصابة به تكون معي عالية. وعليه سألت: هل باستطاعتي قطع الشك بالقين؟ الإجابة كانت بالنفي، أي لا توجد وسيلة تؤكد مئة بالمئة أنني لن أصيب به، لكن الفحص الجيني للدم باستطاعته التأكيد على إصابتي بالسرطان مستقبلاً.
وحيث إنني في تلك المرحلة كنت في الثامنة والثلاثين من عمري، كان من الطبيعي أن يتم توجيهي من قِبَل الأطباء في عائلتي إلى عمل الأشاعات التخصصية كل سنتين على الأجزاء الحساسة من جسمي. ومع الفترة الرابعة من هذه الإشاعات بالفعل تبين إصابتي بالسرطان.
هناك دراسات تقول: إنَّ مرض السرطان له علاقة بنمط الحياة التي نحياها وبطبيعة ونوع الغذاء. لا أستطيع إنكار أن عشقي للحلويات (التي قللت منها حاليًا قدر المستطاع) قد يكون أحد أسباب إصابتي بالسرطان (وقد هنا تعني الاحتمال لا التأكيد)، لكن إذا ما تكلمت عن نمط الحياة التي كنت أحياها قبل إصابتي بالسرطان في 2009 وبعد هذا التاريخ، أقول: إن حياتي كانت ولا يزال بها من قدر من الارتياح بمعنى بها الإشباع المختلف: فمن الجانب الروحي أمارس العبادات وما يتبعها من متطلبات، ومن الجانب الجسدي أمارس الرياضة يوميًّا، ومن الجانب العقلي أقرأ وأكتب وأشارك في الحياة الثقافية. باختصار لست منعزلة ولا منطوية ولا أعاني من ضغوطات حياتية، باستثناء الضغوطات أو المعاناة الفكرية التي تأتي حين ممارسة الكتابة، والتي هي متعة أكثر منها معاناة لا يعلمها سوى مَنْ يمارس العمل الثقافي، فليس هناك أبهج ولا أجمل من لحظة اكتمال المنتج الفكري وخروجه إلى النور، أيًّا كان نوع هذا المنتج.
هناك دراسات عديدة في الطاقة أثبتت أن الأفكار الراسخة في الوعي واللاوعي تترجم إلى واقع فعلي، وتعزيزًا لنتائج هذه الدراسات الأمثلة الشعبية التي تجسد خلاصة تجارب الإنسان؛ فالمثل الشعبي المصري يقول: "إللي يخاف من العفريت يطلع له". وعليه، وعلى صعيد التجربة الشخصية لدي قناعة بأن إصابتي بسرطان الثدي كان سببها الرئيسي عامل نفسي أكثر من أي عامل آخر، تمثَّل في فوبيا الإصابة والارتجاف الداخلي والهلع اللذيْن كنت أمر بهما كلما سمعت عن حالة مصابة.
ومن هذا المنطلق، تأتي مناشدتي المذكورة سلفًا للسيدة الجليلة، فضلاً عن كل جهة معنية بالمرأة بصفة عامة، وبالأبحاث الدراسات بصفة خاصة، وأنا على يقين بأنَّ وضع الحالة الحياتية بكل جوانبها لمريضة السرطان قبل الإصابة تحت مجهر البحث، سيؤدي للوقوف على أسباب تزايد الحالات، وأسباب تراجع متوسط عمر النساء المصابات بسرطان الثدي في السلطنة.
وفي الختام.. كلما اجتررت واقعة إصابتي بالسرطان، وكلما ورد الحديث عن هذا المرض، أشعر بواجبي في تكرار شكري للمرة الألف لكل من أحاطني وإلى يومنا هذا بالعناية منقطعة النذير، من جنود الممرضين والممرضات، ومن سلسلة طويلة من العاملين في مجال الأشاعة والرنين المغناطيسي، ولولا ضيق المساحة الكتابية وخشية نسياني لاسم من الأسماء لرصدت القائمة الطويلة.. هذا فضلاً عن تقديري العميق للأطباء في مستشفى خولة، ومستشفى جامعة السلطان قابوس، من العُمانيين وغير العمانيين؛ فمثالاً لا حصرًا الدكتورة حليمة المسكري، والدكتورة فاطمة الطفيلي، والدكتور ياسر عباس، والدكتور إكرام بوني، والدكتورة موزة الكلبانية، وفي مقدمة هؤلاء جميعًا ملاك الرحمة صانع جمال النساء الطبيب البشوش الباعث للأمل الدكتور عادل العجمي.