ترقب إفلاس أقطار الخليج العربية

 

 

◄ يجري استدراج أقطار الخليج إلى سياسات تنموية خاطئة ومُكلفة على المديين القريب والبعيد

 

علي بن مسعود المعشني

Ali95312606@gmail.com

 

التقرير الاقتصادي الأخير الصادر عن صندوق النقد الدولي والذي تنبأ فيه بفقد أقطار الخليج لمواردها المالية خلال (15) عامًا، في تقديري الشخصي ليس بتقرير بل إشعار وتحضير لهذا المصير الحتمي لأقطار المنطقة في ظل تبدل الكثير من قواعد العلاقات الدولية والصراع والاقتصاد في العالم المُعاصر.

التحولات الاقتصادية في العالم لا تتوقف ولم تتوقف، والاقتصادات الريعية ذات المصدر الوحيد كأقطار الخليج والنفط لاتحتاج إلى طول اجتهاد وتفسير بمصائرها في ظل غياب الجدية لخلق البدائل وعدم استثمار هذه العوائد الضخمة في تأسيس بنى اقتصاد إنتاجي متنوع، ولا تمتلك هذه الأقطار تقنية استخراج نفطها ولا صناعة المنتجات النفطية لإحداث قيم مضافة في اقتصاداتها، يضاف إليها الإنفاق والهدر الهائل للمال العام والاستهلاك المفرط لمقدرات الأوطان من الثروات المالية والطبيعية الأخرى كالمعادن والأحياء البحرية والثروة الحيوانية والزراعة.

الحقيقة أنَّ أقطار الخليج لا تحتاج إلى تقارير تحذيرية اليوم من مؤسسات تمثل بيوت خبرة ولا من مؤسسات تُمثل أذرعاً حادة للرأسمالية المتوحشة كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، فأقطار الخليج اختارت الريع النفطي والدولار لتسعير نفطها وحركة اقتصادها من وإلى العالم، واختارت الخزانة الأمريكية والمصارف الغربية لقيم صادراتها وفوائض اقتصاداتها وودائعها، وبالتالي فهي من اختارت أن تكون تحت رحمة الغرب الاستعماري وأنياب ومخالب الرأسمالية المتوحشة بأموالها ومدخراتها ومصائرها. وليس هذه كل الحكاية بل إن من يستخرج نفوط الخليج ويسوقها هي شركات غربية رأسمالية معروفة.

أقطار الخليج في حقيقتها تحت رحمة الغرب وسيفه المُسلط، وجميع أوراقها الاقتصادية والسياسية والتنموية بطبيعة الحال لابد من مباركة الغرب لها؛ حيث يُمكن وبكل بساطة سحب الشركات الغربية من التنقيب عن النفط في أقطار الخليج في أي لحظة ولأي سبب أو مبرر، كما يُمكن للغرب وضع يده على الأموال والودائع والأصول الخليجية ومصادرتها في أي لحظة وتحت أي مسمى أو ذريعة، وما نهب ومصادرة أموال إيران وليبيا والعراق ببعيد، كما يُمكن للغرب تسميم البحار ونشر الفيروسات المُميتة للزرع والضرع بل والإنسان معا، والدليل التلوث البيئي الدائم لبحار الخليج والأوبئة الدائمة للمحاصيل والحيوانات.

الغرب اليوم لا يُمارس شيئًا يُذكر مما ذُكر أعلاه كونه المستفيد الأول من هذه الثروات الهائلة في تدوير تروس عجلات اقتصاداته، عبر الودائع وجيوش العاملين والشراء المفرط للأسلحة بترويجه الحروب والأعداء الوهميين، والتشجيع على المشروعات غير الإنتاجية والتي تستهلك الكثير من المقدرات والمدخرات بلا وعي (ظاهرها رحمة وباطنها عذاب) كالتوسعات العُمرانية غير المدروسة والتي استهلكت الطاقة بصور مفرطة وحولت الإنفاق عليها على حساب أوجه إنفاق أخرى مُلحة كالتشغيل والصحة والتعليم والتنمية البشرية.

أقطار الخليج- في تقديري- تُساق بلا وعي منها إلى مذبح البنك الدولي وصندوق النقد الدولي عبر استدراجها خوفاً وطمعًا إلى اتخاذ سياسات تنموية خاطئة ومُكلفة على المديين القريب والبعيد، وإقحامها قسرًا في ملفات وقضايا ذات تداعيات خطيرة ومُكلفة كحرب اليمن والحرب على سوريا والعراق وليبيا، وبالتالي ضمان فقد هذه الأقطار لمناعتها السياسية والأخلاقية وإفلاسها التدريجي المُنظم ماليًا وأخلاقيًا كي يسهل تطويعها وتطويقها وبطرق تبدو شبه طبيعية ووضعها تحت سيطرة تلك المؤسسات الاستعمارية والتي تُقدم الوصفات القاتلة للشعوب والأوطان على حد سواء، من بيع وخصخصة ورفع دعومات ورهونات وغيرها.

حين يتساءل البعض عن مدى حاجة الغرب إلى كل هذا السيناريو تجاه أقطار حليفة له وتدور في فلكه؟! نقول بأنَّ الغرب يُصنف أقطار الخليج- ومن واقع تجربته التاريخية في الوطن العربي- بأنها أقطار مصابة بكل أعراض الاستقرار القلق، وهذا الاستقرار القلق هو سلاح ذو حدين من وجهة نظر الغرب، فهو عبارة عن أحداث متوقعة للتغيير قد تكون مدروسة وأعد بدائل وخطط طوارئ لمُواجهتها وقد تكون أحداث مُباغتة غير متوقعة في مصدرها وحجمها وتداعياتها، وبالتالي يستحيل على الغرب مواجهتها في حينها، فكما هو معروف ومن قراءة أحداث تاريخية قريبة في الوطن العربي وجواره، أنَّ الغرب لا يواجه الأعاصير والطوفان الشعبي مهما بلغت مصالحه وخسائره معًا، وكما حدث في مصر عبد الناصر وليبيا القذافي والثورة في إيران، ولكنه يتحين الفرصة ويمتص الصدمة ثم يُعيد ترتيب أوراقه الهجومية مجددًا للتموضع عبر القوة الناعمة أو الخشنة.

هنا يُمكن القول والاعتقاد معًا بأنَّ الغرب وفي ظل التحولات الكبرى في العالم وتعدد القطبية وأفول نجمه تدريجيًا يخطط لاستقطاب أقطار الخليج واحتلالها والسيطرة الكلية عليها عبر وضعها تحت وصاية البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لتبقى رهن إشارته وطوع بنانه مهما تغيرت النُظم والسياسات كون بدائل التغيير وخياراته ستكون اختيار طريقة الانتحار فقط ولا شيء غيره. وبهذا تزول نظرية الاستقرار القلق وتحل محلها نظرية السيطرة الدائمة والمُحكمة.

قبل اللقاء: المتأمل في سلبية الموقف الأمريكي من حصار قطر وإطالة عُمر الحرب على اليمن ودق طبول الحرب مع إيران والتلويح بـ"جاستا" وأخواتها بين حين وآخر لابد له من استنتاج أنَّ شيئاً ما يُعد وفي غرف سوداء حالكة لهذه المنطقة ومن العيار الثقيل.

وبالشكر تدوم النعم،،،