علي بن سالم كفيتان
عشنا اليوم ألم الفقد في مدارسنا عندما رأينا علمنا كسيرا حزينا، وعندما أخذتنا معلماتنا إلى الفصول في هدوء تام قبل أن ننشد لوطننا الجريح بفقد قائده العظيم، فكم كان ذلك مؤلما فعدنا نحن الصغار من الحلقة الأولى إلى ساحة الطابور، ولم نستمع لمعلماتنا وأنشدنا بحناجرنا البريئة "أبشري قابوس جاء فلتباركه السماء"، لقد تمرّدنا على الحزن والفقد والألم، وأسمعنا الدنيا من حولنا أننا نحبك يا قابوس، فبكت معلماتنا على أطراف الصفوف، كما لم يبكين من قبل.
أحس الجميع بأننا انتصرنا، وحكت لنا معلماتنا قصص القائد المؤسس - طيّب الله ثراه- عندما كان يجوب الصحاري والقفار ويأمر بنصب الخيام لتعليم الناس. وفي نهاية مشهد اليوم الأول بلا قابوس، قال الجميع سننتظر سيدنا جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - أيده الله- في كل المدارس العُمانية وفي كل الفصول سنكلمه كثيرا عن حبنا لقابوس وإيماننا به مكملاً لرسالته الخالدة.
فهو وصية السلطان وخليفته ونحن أبناؤه التواقون لغد أفضل، ستتكلم جولاتك لنا عن نفسها ولن ننتظر نشرات الأخبار، وستصل إلينا نحن أبناؤك في كل شبر من عُمان، سأحدث أصحابي وصاحباتي بأنّه بات بإمكاني أن أرى السلطان في مدرستي مجدداً، سنكتب له ما يملي علينا ضميرنا، وسنطلب منه ما نشاء لنتسلح للمستقبل ولن يرفض سيدي السلطان.. سأشتكي له ثقل حقيبتي وطول يومي الدراسي، فأنا طفل صغير لا أحتمل فوق طاقتي، وسأشكو لسلطاني- أبقاه الله- قدم حافلتي وتأخر سائقها في أحيان كثيرة، وسأحدث سيدي السلطان عن دراستي في الفترة المسائية، فقد ضاعت ريالات المدرسة الجديدة، لذلك اعدكم سيدي السلطان انني لن انام في الحافلة المسائية، وسوف احلم بمدرستي الجديدة تبنى قريباً لأنكم تحبونني.
قلت لأمي من غدٍ عليك أن تبدلي دشداشتي بأخرى جديدة، فغدا سيأتي أبي السلطان هيثم حفظه الله وسأكلمه عن همومي وهمومك الكثيرة بعد وفاة أبي، سيمنحنا رعايته الكريمة وسيخصص لي مصروفاً يومياً، وسيبني لنا بيتاً مستقلاً، فأبي كان محارباً قديماً قالوا لي بأنّ السلطان يتذكر كل المحاربين القدماء بمن فيهم أبي.
سيمنحني وساما رفيعا يا أمي وسأعلقه على صدرك، لأنك أنت من تقومين كل صباح وتمسحين دموع الخوف وسكنات الحيرة عن وجهي، فأنت أمي والسلطان أبي لا بد أن أبدو نظيفاً ومرتباً يا أمي.. سأحكي له عن قدم طاولتي وتآكلها، وعن زملائي الطيبين ولن أخبره عن السيئين لا أريده أن يتكدّر، سأطالبه بصالة للصلاة في مدرستي، ولن اشتكي له من بلادة بعض المدرسين وعدم اكتراثهم لمستقبلي، سأسامحهم يا أمي كما كنتِ تقولين لي كل يوم.
لن أنسي أن أطلب منه معاشاً لكل الأمهات مثلك يا أمي، فأنت تعملين لبلادي ليل نهار، أنت مصنع المستقبل ومربية الأجيال، كيف لا يكون لكِ راتباً؟ سأخبره عن مكينة خياطتك "أبو فراشة" القديمة، وعن فرنك الذي اجتاح وهجة شعر مفرقك لكي تطعميننا يا أمي، ولن أنسى الغسالة التي لا تدور إلا بالضربة القاضية، أنا متأكد بأنّ سيدي السلطان سيستمع لي جيدا وسيمنحني الأمل يا أمي.
سأذكر لسيدي السلطان أنّ مدير المدرسة والمدرسين يضعون من رواتبهم كل شهر لتكريمي وتكريم زملائي المتفوقين، وهناك من يتكفل بإطعام من ليس لديه مصروف يومي، إنّهم رجال ونساء من زمن جميل، سأقول له بأنّ أجر أستاذي قليل وجهده عظيم، أنا متأكد بأنّ سيدي السلطان سيستمع لي جيدا ويرفع رواتبهم حتى تصبح كالأطباء والمهندسين والطيارين، فمدرسي يحارب جهلي وينير دربي، وهي معركة حامية بطلها مُدرِّسي وساحتها مدرَستي وأنا الجندي المجهول الذي سيحمل راية بلادي عاليا ويسلمها للسلطان، وأنا على يقين يا أمي بأنّه سيكون سعيدا، وسيفخر بي قائلاً: هذا هو الجندي الذي حمل راية النصر لعُمان.