خلفان الطوقي
مع مرور 50 عامًا من النهضة الحديثة في بناء عُمان، تأتي قيادة جديدة تبدأ من عام 2020، وبكل تأكيد ستأتي مع هذا العهد الحديث قيادات ودماء جديدة تتوافق وتستوعب تحديات العصر ومُعطياته المعقدة حتى تستطيع تجاوز هذه التحديات بكل جسارة وإقدام، فبناء الدولة لابد أن يستمر، ونسب النمو لابد أن تصعد عن السابق، بالرغم من التَّحديات التي لم ولن تتوقف هي أيضًا، فلا يُمكن لأي إنسان عاقل وراشد أن يظن أنّ هناك بلداً ما بدون تحديات، لكن تبقى مستويات هذه التحديات مُتفاوتة من دولة لأخرى.
وبما أنّ المنطق يقول إنّ التحديات لابد أن تكون قائمة، والجميع لا يُنكر وجودها، عليه فلابد من تحديدها بشكل دقيق، وتحديد المُعالجات اللازمة لتجاوزها وبأقل كلفة وأضرار وعواقب محتملة. فالمتتبع للملف الاقتصادي في السلطنة، سيجد أن التحديات تمَّ رصدها بشكل دقيق منذ بداية أزمة تذبذب أسعار النفط وانخفاضها بشكل خطير منذ عام 2014 واستمرار هذا التذبذب إلى وقتنا هذا، بالإضافة إلى الظروف الاقتصادية العالمية، أيضاً تم رصد آثار هذا الانخفاض على المناخ الاقتصادي العام في السلطنة بدءا من انخفاض الإنفاق الحكومي، واتباع سياسات الترشيد في معظم الجهات الحكومية، مع زيادة الاقتراض الحكومي بكافة أدواته، وتأجيل الترقيات، ورفع الدعم جزئياً عن مشتقات النفط، والماء والكهرباء، وزيادة الرسوم على جميع الخدمات الحكومية، وتطبيق الضريبة الانتقائية، وتأخر الدفعات المالية التي تطالب بها الشركات، وهذه الآثار ولدت تحديات إضافية منها مُعاناة العديد من الشركات الكبرى والمتوسطة والصغيرة، مما ولد تحدي التوظيف بل وتسريح أعداد من الموظفين الحاليين، إضافة إلى مواجهة بعض الشركات لخطر الإفلاس والمطالبات البنكية والقضايا القانونية لمؤسسات وأفراد.
بعد هذا الرصد الموجز، السؤال المنطقي الذي يجب أن يطرح: ما الحل؟ ومن أين يبدأ الحل؟ وفي أي قطاع؟ وما هي الأولويات والمعالجات التي يُمكن أن تتبناها الحكومة؟ هل الحل يكمن في الاعتراف بالمشكلة وبدأ المُعالجات حالاً؟ أو محاولة تأجليها لمدة إضافية- لعل وعسى- الظروف وحدها تُعالج هذه التحديات؟ أو القيام بعمليات جراحية قد تكون مؤلمة للبعض ولبعض الوقت، لكنها ضرورية ومُلحة ومفيدة على المدى المتوسط والبعيد؟
الإجابة كما أراها، أنَّ عمان أبحرت على مدى 50 عامًا دون توقف، إلى أن وصلت بكل اقتدار إلى أعالي البحار والمحيطات، ولا بديل عن مواجهة كافة المخاطر واستكمال ما بدأت به والإبحار بشجاعة وجسارة بنفس جديد وقيادة عصرية وربابنة مُؤهلين يحملون فكرا متقدا ووثابا وخبرات تراكمية حقيقية، وعقليات مُتقدمة بشخوص أمناء، وأدوات علمية تقييمية وخطط تنفيذية واقعية واضحة شفافة يُمكن تقيمها وتقيم ومحاسبة من يشرف عليها ومن ينفذها، هذا إن أردنا الاستمرار في الإبحار في محيطات الاقتصاد والجغرافيا السياسية، وبعدها يُمكننا الوصول بعمان وأهلها إلى بر الأمان بكل سلاسة وسلام.