وانفرجت محنة المقداد

ناصر بن سلطان العموري

كان التزاما منى، ولزاما عليَّ من الناحية المهنية الصحفية، طرح هذا المقال، لا سيما وأنه وصل لنهاية سعيدة ولله الحمد، كُنت قد تابعت الموضوع عن طريق كتابة مقالين عنه؛ الأول بعنوان "من يُعين المقداد"، والثاني "المقداد بين رحى الإجراءات البيرُوقراطية"؛ طُرِحا خلال السنة الفائتة 2019، ولمن لا يعلم عن القصة منذ البداية، فحالة المقداد امتدت لأكثر من 14 عاما من المعاناة مع المرض والألم، فبعد ولادة طبيعية -حاله كحال باقي أقرانه من الأطفال- وعندما وصل لسن أربع سنوات، تعرَّض لحمى شديدة، ونتيجة لعدم تشخيص حالته بشكل دقيق، وإعطائه ربما الأدوية غير المناسبة وقتها، أدى ذلك إلى إصابته بإعاقة كاملة، وأبلغت الدكتورة المعالجة عائلته بأنه سيظل هكذا مُعاقا رهينَ السرير مدى حياته، وتم إخراجه بعدها من المستشفى، لتبدأ رحلة علاجه بالطب الشعبي؛ فعلى لسان الدكتورة أنه لا يوجد علاج طبي لحالته (تلف في خلايا الدماغ) في ذلك الوقت ربما.

عانَى والد المقداد من الإجراءات الروتينية الطويلة عند مراجعته للجهات الحكومية التى تقدم خدمات العلاج بالخارج، ربما كانت مبررة لدى بعض المسئولين كونها إجراءات إدارية بحتة، لكنها غير مُبررة أبدًا من الجانب الإنساني في ظل الألم والمعاناه وهو الأهم.

أَوْجد موضوع المقداد حِراكا اجتماعيا كبيرا عبر تفاعل الكثيرين في مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما بعد المقالين سالفي الذكر، كما لاقي تجاوبا إعلاميا من جانب عدد من الإذاعات المحلية، حينما تبنت طرح الموضوع عبر برامجها الجماهيرية مشكورة، علما بأنَّ والد المقداد طرقَ أبوابا عديدة في سبيل تبني حالة ابنه، ولكن لا حياة لمن تنادي، فأين هو الدور المجتمعي من قبل القطاع الخاص والعام هنا في التعاضد مع فئات المجتمع المختلفة، أو ما يُسمي بالمسؤولية المجتمعية، أم هي فقط شعارات لا أكثر؟!!!

وبعد أعوام من المعاناة والألم الجسدي للمقداد، والنفسي لعائلته، انفرجت الأزمة من خلال اتصال هاتفي كان اتصال السَّعد، تلقاه من ديوان البلاط السلطاني خلال شهر ديسمبر الفائت، يُفيد بتلقى المقداد مكرمة من مكرمات السلطان الراحل -رحمة الله عليه- في علاج ابنه بالخارج، وكم كانت فرحة أسرة المقداد لا تُوصف.

وأثناء نشر هذه السطور، يكون المقداد قد سافر لتلقي العلاج بالخارج، نسأل الله له الشفاء، وبصفتي متابعًا للموضوع منذ البداية، أتمنى من الجهات ذات العلاقة في علاج المواطنين بالخارج دراسة الحالة الاجتماعية والوضع المالي لصاحب الطلب، وعدم النظر لمستواه الاجتماعي، وابن من هو؟، فكما أوضح النظام الأساسي للدولة أنَّ جميع المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات، كما أنَّه ليس كل الناس سواء من حيث المقدرة المالية؛ فلرُبما هناك من يملك من الخير الكثير ما يستطيع أن يتحمل به مصاريف العلاج بالخارج، وهناك من لايستطيع حتى شراء الأدوية؛ فمن الضروري هنا تحديد معايير واشتراطات محددة للعلاج بالخارج، وتطبق على الجميع دون استثناء؛ فلا يستثني فيها لا فلان ولا ابن علان!!

والد المقداد ضرب أروع الأمثلة في تضحية وبذل الغالي والرخيص في سبيل علاج ابنه، حتى إنه خرج للتقاعد من أجل أن يتفرغ لرعاية ابنه، أترككم مع نص رسالته قبيل سفره، وسعادته التي لا توصف بعد نيل ابنه فرصة العلاج بالخارج.. كما أرسلها:

"الحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا طيبا مباركا، حمدا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه.. منذ 14 عاما توقفت أحلامي عند حلم وحيد وهو السعى لسفر ولدي المقداد للعلاج بالخارج، هذا الحلم الذي يعتبر تحقيقه إنجازا أبويا لي بعد طوال هذه السنين من التعب النفسي والجسدي والذهني، إنها الفرحة العظيمة التي لن تُعادلها فرحة سوى فرحة شفائه من مرضه.. وقد كان إيماني بالله قويا، وكنت أردد دائما في قرارة نفسي أن هناك دائما أملًا بأن يكون لنا في الغيب شيء جميل يستحق منا الانتظار؛ فلك الحمد ربي حمدا حتى يبلغ الحمد منتهاه، فقد قُلت وقولك الحق "وبشر الصابرين"، ثم جزاه الله خيرا سلطاننا الراحل سلطان القلوب مولاي قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- على فيض كرمه، وأسأل الله أن يغفر له ويسكنه فسيح جناته، والشكر موصول لديوان البلاط السلطاني، ولوزارة الصحة، ولكل من وقف مع قضية المقداد وقفة قلب محب صادق".

-------------------

خارج النص: عزيزي القارئ، هذا العمود هو صَوتك ومرآتك، وليس حِكرًا على كاتبه، فإذا كان لديك مُلاحظة أو وجهة نظر معينة، أو نقد بنَّاء يخدم الصالح العام، فلا تتردد في التواصل عبر البريد الإلكتروني المرفق في أعلى المقال، فكلنا في خدمة عُمان فداء.