"فايننشال تايمز": فيروس كورونا أحدث جولات الصراع البشري مع الأوبئة

ترجمة- رنا عبدالحكيم

صدرت صحيفة فايننشال تايمز افتتاحيتها حول انتشار فيروس كورونا المستجد، حيث تناولت التاريخ المرير لصراع البشرية مع الأمراض الفتاكة.

وقالت الصحيفة في افتتاحيتها: "في تاريخ البشرية، تسهم الأمراض المعدية دورًا في تشكيل مجراه، فمن الطاعون إلى الكوليرا وفيروس نقص المناعة البشرية "إيدز"، ظل البشر في صراع من أجل التفوق على الأمراض لآلاف السنين".

ومع وجود العديد من المدن الصينية تحت حظر التجول، والتهابات بالمئات واحتمال حدوث اضطراب اقتصادي كبير، فإن الجهود المبذولة لحماية البشر من فيروس كورونا المستجد، مثال صارخ على هذه المصارعة اللانهائية. وبينما تكافح الحكومات والسلطات الصحية لوقف انتشار الفيروس، سيكون من الجيد أن نفكر في الدروس المستفادة من التاريخ.

ولا تزال الآثار والطبيعة الدقيقة للسلالة الجديدة لفيروس كورونا- الشبيه بنزلات البرد الشائعة- غير معروفة. ويساور الخبراء القلق إزاء السرعة التي يمكن أن يتحور بها الفيروس. وتشير التقارير إلى أن الحيوانات ربما كانت المصدر الأصلي، كما كان الحال مع سارس وهو فيروس آخر من نفس العائلة، ما يعكس القرب الذي يتقاسمه الملايين في الصين مع الماشية. وظهرت أمراض جديدة بسبب التغير المناخي، الذي وسع المنطقة المعتدلة؛ حيث يمكن أن تزدهر مسببات الأمراض، وفقا لمنظمة الصحة العالمية.

إن استراتيجية الاحتواء الحالية- وهي أحد التدابير الرئيسية التي تم اتخاذها ضد الأمراض المستوطنة- مألوفة لدى السلطات المدنية والعاملين الطبيين. وترجع جذور "الحجر الصحي" إلى الجهود التي بذلتها جمهورية البندقية في القرن الرابع عشر لتفادي الطاعون. والقدرة على محاصرة ميدنة بحجم مدينة ووهان، التي تعادل حجم مدينة لندن، بمثابة انعكاس لقوة السلطات الصينية.

لكن المعلومات المضللة والتضليل الإعلامي لا يزالان سائدان. فخلال اندلاع الأنفلونزا الإسبانية بين عامي 1918 و1919، انطلقت نظريات المؤامرة لاتهام العدو بشن هجمات بيولوجية. وفي عام 1853 اندلعت الحمى الصفراء في نيو أورليانز وأصابت المهاجرين. وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، بدأت الادعاءات الوحشية تنتشر بالفعل بأن الفيروس التاجي تم تصنيعه نيابة عن المصالح الخاصة التي تسعى لبيع اللقاحات. وقد يكون الخوف وانعدام الثقة أحد أكبر التحديات التي تواجهها السلطات في القضاء على الأمراض المعدية.

وأثبتت التطورات التقنية، أنها سيف ذو حدين، حيث أسفرت التقنيات التشخيصية الحديثة عن تسريع عملية تحديد الهوية، لكن بعض التطورات، مثل تحسين آلية الاتصال، ساهمت على الأرجح في الانتشار السريع للفيروس داخل الصين وخارجها.

حتى التعاون الصحي العالمي كان أقل مما هو متوقع، رغم أن الوضع تحسن كثيرًا مقارنة بعام 1851، عندما سعت الدول الأوروبية إلى توحيد الحجر الصحي البحري. ومع ذلك، تواصل منظمة الصحة العالمية، رغم رسالتها المتمثلة في "التضامن والتعاون في جميع أنحاء العالم"، استبعاد تايوان من الاجتماعات الرئيسية وتبادل المعلومات، في ظل الضغوط الصينية على المنظمة. وتتنامى مخاطر خلق ثغرة لفيروس كورونا والأمراض مستقبلا؛ فالأوبئة لا يمكن مواجهتها في ظل الضغوط السياسية.

وقتل فيروس سارس أقل من 800 شخض، وتشير البيانات حتى الآن إلى أن معدل وفيات فيروس كورونا قد يكون أقل من سارس، وهو الأكثر فتكا لأولئك الذين يعانون من ضعف المناعة.

ولا تزال الأنفلونزا الموسمية الشغل الشاغل لمراقبي الأوبئة حول العالم؛ حيث توفي ما يقدر بنحو 50 مليون شخص بسبب الأنفلونزا الإسبانية.

وفي ظل تطور العلوم الطبية، تقدر السلطات الأمريكية أن حوالي 34000 أمريكي قد ماتوا نتيجة الأنفلونزا الموسمية، ولذا فإن تفشي الأمراض المجهولة يتطلب دائما اليقظة وإجراء الدراسات.

تعليق عبر الفيس بوك