غور الأردن وسياسة فرض الأمر الواقع

عبيدلي العبيدلي

في الثلاثاء الموافق 21 يناير 2010، أكَّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "أن إسرائيل ستطبق السيادة الإسرائيلية على غور الأردن وشمال البحر الميت دون تأخير. (وتابع) وسنطبق القانون الإسرائيلي على جميع المستوطنات في يهودا والسامرة دون استثناء. (ووعد نتنياهو) بعقد اتفاقيات سلام تاريخية مع الدول العربية". وفوق ذلك غمز نتنياهو، من قناة زعيم المعارضة بيني غانتس، عندما أبدى استعداده للتخلي "عن طلب الحصانة البرلمانية، مقابل دعم الأخير لفرض السيادة الإسرائيلية على غور الأردن، شرقي الضفة الغربية". وهو محاولة من قبل نتنياهو لإغراء غانتس بالانضواء تحت مظلة الليكود الاستيطانية الكبرى التي تفوق أهميتها الإستراتيجية في مشروعات الكيان الصهيونية أية مشروعات أخرى في هذه المرحلة.

وقبل الخوض في ثقل غور الأردن في موازين الصراع الفلسطيني-الصهيوني، تنبغي الإشارة إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي يضع فيها رئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو هذا الموضوع في سلة برنامجه الانتخابي في حال فوزه في انتخابات معينة. فقد سبق له وتناول الموضوع في سبتمبر من العام 2019، حين تعهد نتانياهو بـ"تطبيق السيادة الإسرائيلية على غور الأردن في الضفة الغربية المحتلة"، في حال فوزه بالانتخابات حينها.

وأكد نتانياهو في خطاب تلفزيوني على أنَّ "هناك مكان واحد يمكننا فيه تطبيق السيادة الإسرائيلية على غور الأردن في الضفة الغربية المحتلة إذا أعيد انتخابه في 17 سبتمبر2019، (مبديا) عزمه ضم المستوطنات الإسرائيلية في جميع أنحاء الضفة الغربية إذا أعيد انتخابه، رغم التنسيق مع الرئيس ال ي دونالد ترامب الذي من المتوقع أن يعلن عن خطته المرتقبة لحل النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني بعد الانتخابات الإسرائيلية".

حينها تصدَّت له المسؤولة في منظمة التحرير الفلسطينية حنان عشراوي، معتبرة دعوة نتنياهو "انتهاك صارخ للقانون الدولي، وسرقة للأراضي، وتطهير عرقي ومدمر لكل فرص السلام، (كونه) تغيير شامل للعبة، (حيث إن) جميع الاتفاقيات معطلة (منوهة إلى أنه) في كل انتخابات ندفع الثمن من حقوقنا وأراضينا (مضيفة) أنه أسوأ من الفصل العنصري، إنه يشرد شعبا كاملا بتاريخ وثقافة وهوية".

وعلى نحو مواز، أفادتْ القناة الإسرائيلية (13)، الأربعاء، ونقلا عن مسؤولين في البيت الأبيض، "أن الإدارة الأمريكية تعارض تحركات أحادية الجانب من قبل إسرائيل، بينها ضم غور الأردن قبل عرض خطة السلام الأمريكية. ووفقا لتصريحاتهم فإنَّ الولايات المتحدة أوضحت موقفها، والحكومة الإسرائيلية تدرك ذلك تماما".

حينها، أيضا، اعتبر المراقبون "أن نتنياهو أثار هذا الأمر في هذا الوقت لكسب أصوات الناخبين في الانتخابات المقبلة، خاصة اليمينيين منهم. ومن جهة أخرى، تعتبر إسرائيل السيطرة على غور الأردن أمراً ضرورياً لمنع قيام دولة فلسطينية في المستقبل".

ولا بد للمراقب لتحركات العدو التوسعية من ربط دعوات نتنياهو هذه مع مشروع "نتنياهو - ألون المعدل في العام 1967، أي بعد حرب يونيو 1967، والذي "يشمل الضفة والقدس، ويعتبر نهر الأردن هو الحدود المستقبلية لإسرائيل، والذي سيشكل الحدود الدائمة والأبدية مع المملكة الأردنية، بمعنى أنه لا يمكن تفكيك أي مستوطنة، ولا الانسحاب من أي بقعة من الأغوار".

ونتحول بعدها لتناول العناوين الرئيسية التي تعطي غور الأردن مثل هذه الأهمية في المشروع الاستيطاني الصهيوني.

فعلى المستوى الأمني، يتاخم الغور الحدود الإسرائيلية - الأردنية، التي يقطنها سكان معظمهم ينحدرون من أصول فلسطينية. ومن ثمَّ، ففي حال فشل الكيان الصهيوني في ضم الغور تحت سلطته، سيُصبح الطريق مفتوحا أمام تدفق سكاني فلسطيني غير محكوم بسياسات الاستيطان غير الشرعية التي تحاول الحد من مثل هذا التدفق، كونه عنصرا مهما في تحول موازين التكافؤ السكاني لصالح السكان الأصليين من الفلسطينيين على حساب المستوطنين من المغتصبين الصهاينة.

ووفقا لمصادر موثوقة، وفي سياق خطته الاستيطانية المتكاملة "هَجَّر الاحتلال الإسرائيلي ما يزيد على 50 ألفًا من سكان الأغوار منذ العام 1967، إضافة لتجمعات سكانية كاملة؛ بحجة إقامتهم في مناطق عسكرية، مثل تهجير أهالي خربة الحديدية في الأغوار الشمالية".

وعلى المستوى الأمني أيضا هذا يخل بما تحاول العديد من مدن العدو أن تنعم به؛ إذ يجعل العديد من المدن الصهيونية في مرمى النيران الفلسطينية؛ حيث لا تبعد حيفا عن الغور أكثر من 90 كيلومترا، وتل أبيب أقل من 60 كيلومترا، والقدس الشريف 40 كيلومترا.

وعلى المستوى الاقتصادي، يعتبر الغور من أكثر المناطق الفلسطينية خصوبة، وأغزرها مياها. وتؤكد المصادر الموثوقة -التي ترصد أوضاع المياه في هذه المنطقة- قيام الكيان الصهيوني، على مر السنين "بحفر العديد من الآبار في مخالفة صريحة للقانون الدولي، وضخَّت منها حوالي 33.9 مليون متر مكعب إلى غور الأردن، وتعتبر هذه الكميات ضئيلة إذا ما تمت مقارنتها بالكميات المشتركة التي تمنع إسرائيل الفلسطينيين من الوصول إليها". وبحسب مركز معلومات "بتسليم" الإسرائيلي، تمنع سلطات العدو " الفلسطينيين من استخدام نحو 85 في المئة من مساحة الغور، وتقيد وصولهم إلى مصادر المياه وتمنعهم من بناء المنازل".

وحول هذه الأخيرة، تزداد أهمية المياه، عندما نستمع إلى تحذيرات الخبراء من أن المياه ستكون من أهم الأسباب الكامنة وراء الحروب المحتملة اندلاعها في منطقة الشرق الأوسط.

وإذا أضفنا إلى كل تلك العوامل، ربط واشنطن هذه المسألة بما تسعى للترويج له لمشروعها الشرق الأوسطي، والمعروف باسم "صفقة القرن"، تتضاعف حصة مشروع الضم الصهيوني في سلة مشروعات الشرق الأوسط المطروحة على بساط البحث.

ما يُثير القلق أنه بينما لا تكف المؤسسة الصهيونية عن مواصلة قضم المزيد من الأراضي الفلسطينية، ولا تتوقف مشروعاتها في خطط تغيير المكونات السكانية، حتى في الأراضي التي لا تبيح لها القوانين الدولية القيام بذلك، لا نتوقف نحن العرب عن استمراء تصعيد حروبنا الداخلية، وتأجيج عناصر التمزيق الاجتماعي الذاتي، وكأننا بذلك نشجع العدو الصهيوني على المضي قدما في مشروعاته، التي -وكما تؤكد وثائقه- بما فيها تلك المزورة للتاريخ، عند حدود فلسطين، بل يتسع نطاقها كي يشمل تلك الأراضي التي تمتد من النيل حتى الفرات.

وليس المطالبات بضم غور الأردن سوى الخطوة الأولى على طريق تحقيق ذلك الحلم الصهيوني الذي يقوم على الضم الغاصب وفرضه كأمر واقع.