سالم بن نجيم البادي
وجع الكتابة وهل للكتابة وجع؟ نعم وهو يشبه ألم المخاض ومنذ أن تكون الفكرة نطفة في ذهن الكاتب تمر بمراحل نمو الجنين حتى إذا نضجت أخذت تلح بالخروج لإطلاع الناس عليها.
وإن تأخر خروجها أحدثت قلاقل لا تهدأ ولا تطاق ابداً عند الكاتب وهو الذي استعد لهذا الحدث قبل ميلاده بأن يعرضها على الرقابة الذاتية من أجل أن يضمن لها الحياة السوية بعيدا عن خطر الوأد أو التشويه بمقص الرقيب؛ فهو لا يقترب مما قد يسيء للأعراف والتقاليد والدين والجنس والسياسة والشخصيات المعنوية والاعتبارية أو التحريض وإثارة النعرات الطائفية وما يعكر أمن وسلام المجتمع والإساءة إلى الدول الصديقة، والقائمة تطول، وحقول الألغام الكثيرة التي يجب ألا يصطدم بها الكاتب، ثم عليه اختيار الصياغة اللائقة واللغة الراقية والكلمات المنتقاة بعناية والأسلوب الذي يميز هذا الكاتب عن غيره من الكتاب، وعليه خوض معركة النشر إن كان مقالا في جريدة أو طباعة كتاب وموافقة الجهات المختصة واختيار دار نشر مناسبة ونوع الورق والغلاف والإخراج وشكل الكتاب، وعليه مواجهة جشع بعض اصحاب دور النشر وتحمل اعباء مالية قد تكون باهظة لا طاقة له بها وبعد الطباعة يحمل الكاتب هم التوزيع والتسويق والرغبة في الانتشار ثم ترقب رأي القراء والنقاد ووسائل الاعلام وردور الفعل المختلفة.
وان نجح الكتاب او المقال احس الكاتب بثقل المسؤولية واعتراه القلق المضاعف كيف له ان يأتي بكتاب او مقال مثل هذا أو احسن منه وأن يحافظ على هذا النجاح وان فشل اصابه الاحباط وربما صام عن الكتابة دهرا خوفا من تكرار الفشل وتعب الكتابة ووجعها لا يتوقف.
حين يفسر ما يكتب وفق اهواء فاسدة وفهم قاصر وظنون واوهام تلك مشكلة تجلب مزيدا من الضغوط النفسية على الكاتب هذا التفسير الخاطئ لربما يؤدي الى اتهامك بالكفر او العلمانية او الزندقة ومعاداة الدين او الدعوة الى الفجور، وحين تكلمتُ عن الخطاب الديني المتزمت هاجموني وقال لي احدهم وقد اشار لي باصبعه "لو ان غيرك قالها"، وهجرني وانفرد بي مسؤول رفيع في مكتبه وعاتبني على انتقادي بعض الامور في دائرة مسؤوليته، وعندما دافعت عن مرشحة لمجلس الشورى لا ترتدي الحجاب جائتني موجة من الانتقادات واتهمت بتهم كثيرة، وكذلك فعلوا عندما دافعت عن كاتبة عمانية فازت بجائزة عالمية عن روايتها، وقد شككوا في جدارتها في الفوز، وانها فازت لاعتبارات اخرى وليس لتميز وجودة روايتها، ووصلتني رسائل النصح والترهيب من عذاب لله، وحظرني أحدهم من مواقع التواصل في هاتفه، وآخر قاطعني ولم يعد يتواصل معي كما كان من قبل، واقبلت للسلام على آخر في مجلس عام فأعرض عني وأعطاني ظهره.
وعلى عادة الشعراء والكتاب وأهل الحكايا الشعبية والمواويل والاناشيد والاغاني عبر العصور وفي جميع المجتمعات والحضارات، كتبت قصص غرام وغزل في شيخة وزوينة وفاطمة وعواشة وثريا واصيلة ورقية وسامية وريتا وغيرهن، وكلما كتبت عن احداهن احدث ذلك صخبا وضجيجا، وبكاءً عند المدام، مع تدخل من هم حولها لزيادة النار حطبا واشتعالا، وقالوا انني خائن ومريض.. مريض بماذا؟ لا ادري!! اما جسدي فصحيح معافى بفضل الله تعالى وكذلك عقلي ونفسي. ويحزن الكاتب حين يرغب بالكتابة عن قضايا ملحة فيحجم خوفا من ازعاج بعض الجهات ولشح المعلومات، وحين يخيب الكاتب ظن القراء وكثيرا ما التقي بأشخاص يقولون لي نريدك ان تكتب في الموضوع الفلاني أو بعدك اكتب عن القضية التي تشغل بال الناس الان فلا استطيع لأسباب كثيرة وقد يلوم الكاتب نفسه قائلا لو انني اضفت هذا أو خذفت هنا وقد يشعر الكاتب بأنه لم يعطي الموضوع حقه وكذلك حين يتم الاحتفاء بالكتب والكتاب في معارض الكتب المختلفة وهو غائب لانه لم يتمكن من المشاركة بكتاب جديد بسبب ظروف ألمت به وقضية اهداء الكاتب مؤلفاته مجانا الى الاخرين من الاقارب والاصدقاء والزملاء الكتاب ومنهم لا يقرأ ابدا ومنهم من يرمي اليك عبارات المجاملة الجوفاء وهو ربما لم يطلع على الكتاب اصلا.
كان الله في عون كل من أصابه داء الكتابة.. واستعين هنا بعنوان كتاب الزميلة فاطمة الزيدي "دعني أتنفس".