عبيدلي العبيدلي
يتداول المبحرون على شبكة الويب الكثير من العبارات والتوصيفات التي لا يتوقفون عند أصولها التاريخية، ولا يجدون أنفسهم معنيين بالبحث عن ذلك العامل المشترك بينها. فكثيرا ما تصادفنا تعبيرات مثل الذكاء الاصطناعي (Artificial intelligence)، ووسائط التواصل الاجتماعي (Social Media)، وإنترنت الأشياء (Internet Of Things - IoT)، وفوق المحتوى (OTT On The Top - )، وثورة المعلومات والاتصالات (ICT Revolution).
ونادرا ما يتوقف أيا من يحاول التمعن في تعريف مثل هذه التعبيرات، أو المصطلحات، أو بذل مشقة التفتيش عن ذلك العامل المشترك القادر على أن يجمعها في إطار واحد، أو يمارس دور المحرك الذي يمدها بالأهمية التي باتت تنعم بها. بل غالبا ما نفترض أننا على دراية ما تعنيه تلك المصطلحات، ونكتفي لترداده، وربما استخدامه في مكانه غير المناسب.
لذلك قبل أن نبحث عن العامل المشترك بينها، وربما إيجاد ذلك المحرك المشترك لها، لا بد لنا من أن نتفق على مفهوم، أو تعريف مثل تلك المصطلحات المتداولة.
ولنبدأ، بما يعتبره البعض الأكثر حداثة في هذه السوق المعولمة، رغم أن جذوره عميقة، ويعود بها البعض إلى منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، وهو ما يطلق عليه صفة الذكاء الاصطناعي (Artificial intelligence) الذي تكاد أن تجمع عليه المصادر المؤهلة في هذا المجال بأنّ ذلك المصطلح الذي يشمل تلك "التطبيقات التي تؤدي مهام مُعقدة كانت تتطلب في الماضي إدخالات بشرية مثل التواصل مع العملاء عبر الإنترنت أو ممارسة لعبة الشطرنج. وغالبًا ما يُستخدم هذا المصطلح بالتبادل مع مجالاته الفرعية، والتي تشمل التعلم الآلي والتعلم العميق". لكن، وكما ترى تلك المصادر أيضا، فإنّه من أجل الحصول على "القيمة الكاملة من الذكاء الاصطناعي، تقوم العديد من الشركات باستثمارات كبيرة في فرق علوم البيانات. إنّ علوم البيانات، التي تُعد مجالاً متعدد التخصصات يستخدم الأساليب العلمية وأساليب أخرى لاستخلاص القيمة من البيانات، تجمع بين المهارات المستمدة من مجالات مثل الإحصاء وعلوم الكمبيوتر مع المعرفة العلمية لتحليل البيانات التي يتم جمعها من مصادر متعددة".
نلاحظ هنا بروز المعلومات، أو بالأحرى المحتوى، كعامل مهم، متى ما أردنا تحقيق الفوائد القصوى المرجوة من وراء الاستثمار في تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي، أو الصناعات المرتبطة بها.
أمّا بالنسبة لما يعرف باسم "إنترنت الأشياء Internet Of Things، وهو كما متداول في المرجعيات ذات العلاقة بصناعة الإنترنت يقوم على مقاربة "متطورة لشبكة الإنترنت بحيث تمتلك كل الأشياء في حياتنا قابلية الاتصال بالإنترنت أو ببعضها البعض لإرسال واستقبال البيانات لأداء وظائف محددة من خلال الشبكة". وهي في هذا الصدد، تلك الشبكة التي "تتألف من عناصر مادية قادرة على جمع وتبادل المعلومات الإلكترونية، تتضمن إنترنت الأشياء مجموعة واسعة من الأجهزة الذكية، من الآلات الصناعية التي تنقل البيانات عن عملية الإنتاج إلى أجهزة الاستشعار التي تتعقب المعلومات عن جسم الإنسان. في كثير من الأحيان، تستخدم هذه الأجهزة بروتوكول الإنترنت (IP)، ذات البروتوكول الذي يميّز ويحدد أجهزة الكمبيوتر على شبكة الويب العالمية ويسمح لها بالاتصال مع بعضها البعض".
من جديد نجد المحتوى، أو المعلومات تطل بوجهها، وتفرض حضورها.
أمّا وسائط التواصل الاجتماعي فهي في جوهرها تلك "التطبيقات التكنولوجية الحديثة التي تعتمد على الويب من أجل التواصل والتفاعل بين البشر عن طريق الرسائل الصوتية المسموعة، والرسائل المكتوبة، والرسائل المرئية، وتعمل هذه الوسائل على بناء وتفعيل المجتمعات الحيّة في بقاع العالم، إذ يقوم البشر بمشاركة اهتماماتهم وأنشطتهم بواسطة هذه التطبيقات".
مرة أخرى نتحدث هنا عن المحتوى، من حيث كونه الوسيلة التي يتواصل المجتمع البشري من خلالها، وهو كما تشير الإحصاءات "الوقود الذي يحرك الإنترنت. إذ هناك ما يزيد عن 300 مليون من النطاقات المسجلة، اسم يدل على عنوان بروتوكول الإنترنت (IP) والتي تنشر أكثر من 3 ملايين تدوينة يومياً". كما تشير بعض الدراسات الحديثة أنّ 80% مــن قرارات العميل الشرائية بدأت بالبحث في المحتوى على الإنترنت وعلى وسائل التواصل الاجتماعي. (كما تتحدث) دراسات أخرى أيضا أنّ 45% من شركات التجزئة العالمية لديها فريق مختص ببناء وتطوير خطط التسويق بالمحتوى، ولديها حسابات وقنوات فعالة في وسائل التواصل".
أبعد من ذلك، وعندما يتعلق الأمر بتحويل مثل تلك الأنشطة إلى سلع تحتوي على قيمة سوقية محددة، تؤكد هذه الدراسات التي "صدرت من معهد التسويق بالمحتوى (CMI)، أنّ بعض الشركات المختصة، تلقي الضوء على أهمية المحتوى في التسويق وقدرة المحتوى على التأثير في تحسين الصورة الذهنية للشركات والتعريف بخدماتها وتعزيز القرارات الشرائية للعملاء المحتملين ورفع مستوى المبيعات أيضا، حيث يشكل تحسين المبيعات عن طريق المحتوى مؤشرًا رئيسيًّا لأكثر من 54% من الشركات وفق دراسات حديثة صدرت من معهد التسويق بالمحتوى". هذا يؤكد بما لا يقبل الشك على أهمية المحتوى.
يقودنا كل ذلك نحو ما لا نكف عن ترديده، ونحن نمارس مختلف أشكال أنشطتنا اليومية، وهو حديثنا عن ثورة المعلومات، الذي تدل في أبسط صورها على ذلك التغيير أو التحول "في البناء الشكلي أو الجوهري للمجالات كافة، والذي يدل على انبثاق العالم الرقمي، وحدوث تطور نوعي بشكل مستمر في شبكات الاتصال ونظم المعلومات وتقنياتها، بالإضافة إلى تطور صناعة الثقافة وظهور البث الفضائي المباشر، وبذلك تحوّل العالم إلى قرية كونية صغيرة آفاقها مفتوحة وغير واضحة المعالم، فالعصر الذي نعيش فيه هو عصر انفجار المعلومات، حيث تولدت هذه المعلومات وتراكمت بفترات زمنية قصيرة جداً، حيث عجزت جميع القدرات الإنسانية عن مواكبتها وضبطها".
ومن ثمّ فذلك ما يمكن أن نصفه بالطفرة "التي حدثت في عالم المعرفة والبيانات في الآونة الأخيرة، والتقنيات المذهلة التي توصل اليها الإنسان لمعالجة البيانات الخام والتوفيق فيما بينها لتحويلها الى معلومات وأرقام تفيد في بناء المجتمعات والحضارة الإنسانية".
هذا يجرنا، شئنا أم أبينا نحو المحتوى، أو بالأحرى جوهر العنصر المحرك للثورة التي نتحدث عنها.
في اختصار شديد، وبعيدا عن أي تطور في الآلات أو التطبيقات يفرض المحتوى نفسه ملكا على شبكة الإنترنت، وسيدا على من يريد الاستفادة منها.