التعليم والتراث الثقافي (2-2)

 

 د. سليمان المحذوري

تقوم وزارة التربية والتعليم في السلطنة بدور ملموس في مجال صون التراث الثقافي عبر تطعيم المنهج الدراسي بمفردات التراث الثقافي محليًا وعالميًا، وبشكل يتناسب مع الفئات العمرية للطلبة. كما تضمّنت وثيقة فلسفة التعليم عدداً من الأهداف ذات الصلة بالتراث الثقافي، واحترام الاختلاف الفكري المتوازن والتعددية الثقافية، وتعزيز الحوار الإيجابي. ومؤخرًا دشّنت الوزارة كتاب الهوية الوطنية والتراث العالمي من أجل تعميق هذا الجانب في نفوس الناشئة. ومما يُلفت الانتباه تبني بعض المدارس لمبادرات رائدة تعزّز هذا الاتجاه مثل مدرسة الإمام جابر بن زيد في محافظة مسقط، ومدرسة الأمل في جنوب الباطنة، ومدرسة حواء بنت يزيد في شمال الباطنة.    وتُعد المتاحف من أهم المؤسسات الثقافية والعلمية التي يُمكن أن تقوم بدور إيجابي في صون التراث الثقافي؛ حيث تُسهم كمؤسسة تعليمية غير رسمية في بثّ الوعي المجتمعي بالتراث الثقافي وإبراز مفرداته، ولكن من الأهمية بمكان أن تكون هذه المتاحف بيئة جاذبة للجيل الحالي من خلال استخدام التكنولوجيا والوسائط الحديثة لتكون أكثر فاعلية لا مجرد أماكن لعرض لُقى وأدوات متحفية. وينبغي كذلك أن يكون هنالك اهتمام كبير باللغة العربية باعتبارها إحدى المفردات الثقافية، كما أنّها هي الأداة الأمينة لنقل التراث الثقافي.

وعودة على موضوع الندوة التي تمّت الإشارة إليها في بداية الجزء الأول من المقال؛ فقد تمحورت مداخلتي في الجلسة الحوارية على أنّه لا يمكن تحميل المناهج ما لا تحتمل؛ فالمؤتمرات والندوات عادةً تخرج بتوصيات نحو ضرورة تضمين المناهج الدراسية كثيرا من الموضوعات حول قضايا مختلفة، ومع أهمية ذلك بيد أنّ المناهج الدراسية لا يمكنها أن تستوعب كل هذه القضايا هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنَّ وجود منهج جيد لا يكفي لمُعالجة قضية ما؛ وإنما هنالك عناصر أخرى ينبغي الاهتمام بها جنبًا إلى جنب بحيث تعمل كمنظومة متكاملة من أجل تحقيق الغايات المنشودة. على سبيل المثال لابد من استخدام أساليب تدريسية واستراتيجيات تعليمية حديثة، وتوفر بيئة مدرسية جاذبة مع ضمان وجود عناصر بشرية مؤهلة ومدربة ذات قناعة بأهمية التراث الثقافي. إضافة إلى أهمية توظيف التراث الثقافي في الأنشطة المدرسية مثل: الإذاعة المدرسية، والفنون التشكيلية، والموسيقى، والمسرح وغيرها، وأخرى خارج المدرسة كالزيارات الميدانية، ودعوة المهتمين بهذا المجال  للمؤسسات التعليمية. إلى جانب ضرورة توظيف التكنولوجيا والتعليم التفاعلي، والألعاب التعليمية، والمسابقات، وعرض أفلام وثائقية، واستثمار البرامج الصيفية وما إلى ذلك.

ورغم أهمية مادة الدراسات الاجتماعية باعتبارها الوعاء الحاضن لموضوعات التراث الثقافي؛ إلا أنّ التكامل بين باقي المواد الدرسية يُعطي نتائج ممتازة لبناء شخصية واعية بأهمية التراث الثقافي ومضامينه وقيمه، وتاليًا المحافظة عليه واستثماره.

وفي الختام نصّت توصيات ونتائج هذه الندوة في المجمل على ضرورة تكامل الجهود بين الجهات ذات العلاقة بشأن التراث الثقافي، وفي تقديري أنّنا لا نحتاج لمزيد من المؤتمرات والندوات بقدر حاجتنا إلى تنفيذ تلك التوصيات عمليًا فقد بات الطريق واضحًا في هذا الشأن. وكذلك لابد من وجود مظلة واحدة تعمل كمنظومة مُتكاملة، وبخطة استراتيجية واضحة تستهدف إبراز دور التراث الثقافي وأهميته واستثماره.