خلفان الطوقي
جهود توظيف العُمانيين أو ما يسمى بمصطلح "التعمين" ليست بالجديدة، فالمساعي بدأت منذ بداية التسعينيات إلى أن تمَّ إنشاء لجنة متابعة ومراقبة التعمين التابعة لديوان البلاط السلطاني في عام ١٩٩٧م، ويترأسها شخص برتبة وكيل وزارة، واستمرت المساعي منذ ذلك الحين، بعدها تمَّ تبني فكرة "التعمين" في بدايات سنة ٢٠٠٠م من خلال الرؤية الوطنية ٢٠٢٠، وتخللت تلك الفترة مُبادرات كثيرة منها اللجان الوطنية القطاعية وإنشاء اللجان العمالية والاتحادات النقابية في عام ٢٠١٠م، بالإضافة إلى عدد من الندوات الوطنية لتشغيل القوى العاملة والتي كانت بتوجيه مباشرٍ من لدن صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد - حفظه الله وأمد في عمره - بالإضافة إلى إلحاق كلمة "تعمين" في جميع الخطط الخمسية للبلاد، ولابد من ذكر آخر المُبادرات الوطنية التي تهدف إلى نسب العمانيين في القطاع الخاص ولو كان ذلك بشكل غير مُباشر التي تم تبنيها من خلال البرنامج الوطني لتعزيز التنويع الاقتصادي المُسمى بمختبرات(تنفيذ) عام ٢٠١٦م، وبعدها تمَّ ذلك من خلال وحدة دعم التنفيذ والمتابعة التابعة لديوان البلاط السلطاني والتي يرأسها شخص برتبة "معالي"، بالإضافة إلى مبادرات وطنية أخرى لم أذكرها.
وأخيراً جاء إنشاء المركز الوطني للتشغيل بموجب مرسوم سلطاني سامٍ في الربع الأول من عام ٢٠١٩م، على أن يبدأ أعماله بعد أيام قليلة وتحديدا في بداية ٢٠٢٠م مدعوماً بفريق تنفيذي احترافي مؤهل من كبرى الشركات العُمانية كشركة تنمية نفط عُمان وغيرهم من المنتدبين الأكفاء، كل ما ذكر ولم يذكر أعلاه من مبادرات لم يستطع إقناع المواطن بكل فئاته تاجرا أو باحثا عن عمل أو صاحب منشأة أو ولي أمر أو ممثلا لنقابة أو اتحاد عمال، فهل سوف يحقق المركز الوطني للتشغيل الرضا المنشود؟ وهل سيُحقق مالم تحققه المبادرات والتوصيات والقرارات والدراسات السابقة؟ ترى ماذا يملك المركز ولم يملكه الآخرون السابقون؟ هل سوف يستطيع المركز إيجاد أرضية مشتركة تحقق الأمان الوظيفي للباحث عن عمل والإنتاجية والربحية المستدامة للمنشأة التي يعمل بها وفق مزايا وظيفية محددة ومحدودة؟ وهل سوف يستطيع المركز إقناع كل أطراف المعادلة من باحث عن عمل وصاحب منشأة تجارية وولي أمر ومشرعين قانونيين ونقابات عمالية وغيرهم بأنَّ مسؤولية التوظيف ليست فردية بل مسؤولية جماعية مشتركة؟ هل يمكن للمركز أن يقنع البنك المركزي العُماني ووزارة المالية والأمانة العامة للضرائب والتأمينات الاجتماعية ووزارة العدل ووزارة الشؤون القانونية وغيرهم بأنهم جميعاً جزء أصيل في تمكين القطاع الخاص ولابد أن تتأقلموا مع المُعطيات والتحديات الحالية التي يمر بها الاقتصاد، والتعامل يكون وفق المعطيات، والتضحيات لابد أن تكون من الجميع؟ هل يستطيع المركز إقناع حوالي ١٧ جهة حكومية معنية بالاستثمار أن يعملوا ككتلة واحدة وأن يخلقوا أرضية تنافسية للمستثمر المحلي لإقناعه للبقاء أو زيادة استثماراته ميدانياً؟ وهل يمكن للمركز إقناع ذات الـ١٧ جهة حكومية أن تعمل بشكل تكاملي وشمولي لاقتناص حصة ونسبة من الاستثمارات الخارجية لتأتي إلى عُمان؟ هل للمركز صلاحيات الجزاء والعقاب للمجيد والمقصر داخليًا ولكل أطراف العلاقة والقطاعات التي تعمل معها؟ وهل للمركز قدرة مالية في ظل الأوضاع المالية الحالية لابتكار مزايا وحزم تشجيعية للشركات التجارية التي تزيد من نسب توظيف العمانيين أو الشركات التي تطبق برنامج "الإحلال"؟
لربما يبدو من الوهلة الأولى أن التساؤلات التي طرحتها أعلاه تبعث للتشاوم من المركز، ولكن الحقيقة أنها تساؤلات مشروعة تهدف للإيضاح وهو أن عمل المركز لن يكون سهلاً أبدا ما لم يكن "مُمكنا" بالمعنى الحقيقي من النواحي التشريعية والتنظيمية والمالية والمجتمعية، وما لم تتعاون وتتكامل معه جميع الجهات الحكومية المعنية، فحال هذا المركز لن يختلف عن اللجان القطاعية أو المبادرات الوطنية، ولن يتعدى عمله عمل "الهيئة العامة لسجل القوى العاملة" لكنه بمسمى آخر أكثر بريقا ولمعانا، وربما يخفت مع الزمن، وهذا ما لا يتمناه أحد، ما لم يجد دعما حقيقيا ومستمرا من كل الجوانب.