ذكرياتي مع الشيخ سليمان اللويهي

طالب المقبالي

muqbali@gmail.com

قليلون هم من يعرفون أنني تزاملت مع الشيخ القاضي سليمان بن عبدالله اللويهي طيّب الله ثراه في جامع البياضة بولاية الرستاق.

ففي عام 1970 التحقت بأول مدرسة افتتحت في ولاية الرستاق بمنطقة المحاضر وذلك بالصف الأول الابتدائي، وهي مدرسة الإمام ناصر بن مرشد في منزل مستأجر، وكان طاقم الهيئة التدريسية آنذاك جميعهم من العمانيين.

وفي عام 1973 أنشئ مبنى جديد للمدرسة وانتقلنا إليه مع بداية الصف الثالث الابتدائي، وكانت بداية استقدام المعلمين الوافدين من مصر والأردن والسودان، إلى جانب المعلمين العمانيين.

والدي رحمه الله تعالى كان قاضياً وكان يطمح أن يرى أحد أبنائه يسلك هذا الجانب، فنقلني إلى جامع البياضة في عام 1974م حيث أخرجني من المدرسة، وقد كنت حينها في الصف الرابع الابتدائي وألحقني بالجامع.

الدراسة في الجامع تختلف عن الدراسة النظامية، فهي ترتكز على الفقه والتوحيد والنحو والسيرة وعلوم التفسير والعلوم الشرعية وغيرها من العلوم، وقد كانت الدراسة في الجامع موزعة إلى مجموعتين.

المجموعة الأولى هي المرحلة الأولى التي التحقت بها وقد كنا ندرس في تلقين الصبيان لمؤلفه العلامة الشيخ عبدالله بن حميد السالمي رحمة الله عليه والملقب بنور الدين السالمي، كما كنا نتعلم النحو في ملحة الإعراب لمؤلفها القاسم بن علي بن محمد بن عثمان، أبو محمد الحريري البصري.

أمّا المجموعة الثانية فهي المجموعة المتقدمة ويتعلمون النحو في ألفية ابن مالك لمؤلفها محمد بن عبد الله بن مالك الطائي الأندلسي، كذلك تختلف كتب الفقه والتوحيد.

ذات يوم التحق الشيخ سليمان اللويهي رحمه الله بالدراسة في الجامع، وتم ضمه إلى مجموعتنا كونها مجموعة المبتدئين في التعليم.

معلمنا آنذاك كان الشيخ سيف بن نبهان البراشدي حفظه الله ومتعه بالصحة والعافية.

الشيخ سليمان في بداية الأمر دخل كمستمع، فكان الدرس يومئذ من تلقين الصبيان وكان المعلم يشرح لنا الدرس، فالطالب الجديد الذي التحق بالحلقة العلمية حديثاً كان يستمع، فقال الشيخ سيف هذا درسنا اليوم وغداً بإذن سيشرح كل واحد منكم ما فهمه من الدرس، فقال الشيخ سليمان للمعلم أتسمح لي أن أشرح الدرس الآن!! التفت إليه جميع الطلبة في ذهول، فقام رحمه الله بشرح الدرس وكأننا نسمعه حرفياً من المعلم.

وفي اليوم الثاني يتكرر المشهد، ثم اليوم الثالث والرابع والخامس والسادس.

لقد تحول اهتمام المعلم لهذا الطالب النجيب فأعطاه جُّل اهتمامه، في حين لم يبخس الطلبة الآخرين من الاهتمام.

انتهى العام الدراسي، وكانت الإجازة الصيفية آنذاك ثلاثة أشهر بالتمام والكمال، وقد قضى الطلبة إجازتهم كلٌ في مجال اهتمامه.

فبالنسبة لي كنت مهتماً ببعض الجوانب الأدبية في كتابة الشعر والقصة والمقال والخواطر وممارسة كتابة الخط العربي، إلى جانب الاهتمام بالمجالات التقنية منذ طفولتي، فأقوم بإصلاح الأجهزة الإلكترونية والكهربائية كالتلفزيونات وأجهزة الراديو وأجهزة التسجيل الصوتي وصيانة الدراجات الهوائية.

فيما يقضي بعض الطلبة وقتا في الحقول لمساعدة ذويهم في حصاد التمور والمزروعات، حيث كانت أغلب الأعمال في ذلك الوقت في الزراعة، والبعض الآخر يلهو ويلعب في الحارات، بينما شيخنا اللويهي فكان يغرد في السرب بعيداً ليحقق ما لم نستطع تحقيقه.

بدأ العام الدراسي وعدنا إلى الدراسة في الجامع، فما كان من أستاذنا ومعلمنا الشيخ سيف إلا أن يسأل كلٌ منا عن كيفية قضى الإجازة.

فجاء دور شيخنا، وكانت الأنظار موجهة إليه بحكم اطلاع المعلم على أنشطة الشيخ سليمان في الإجازة، فقال الشيخ سليمان: لقد حفظت القرآن الكريم عن ظهر قلب، بالإضافة إلى مسند الربيع بن حبيب في الحديث.

أبدى المعلم إعجابه بالشيخ سليمان وهو يعلم مسبقاً بذلك فقال له: أنت مكانك في المجموعة الثانية، وبالفعل تم نقله إلى المجموعة الأعلى والتي التحق جميع أعضائها إمّا بسلك التدريس أو الوعظ والإرشاد وكذلك القضاء.

القصة لم تنته بهذا، وإنما هناك تفاصيل تخصني في المقام الأول ثم تخص الشيخ سليمان في جزئية منها، ولعلي أسردها جميعاً في كتاب مفكراتي الذي بدأت في كتابته فعلياً، سائلا الله العلي القدير التوفيق والسداد.