كيف أطاح الجيش المصري بنظام مبارك والإخوان معًا

علي بن مسعود المعشني

Ali95312606@gmail.com

ونحن على بُعد أيام تفصلنا عن تاريخ أحداث جسام في المحروسة العزيزة مصر، وهي أحداث ماعُرفت بـ"ثورة 25 يناير"، تلك الثورة الانتفاضة التي بدأت بمطالب معيشية بحتة، وانتهت بدموية، وأنتجت إرهابا جليا يفتك بمصر العروبة قلب الأمة وزاد قوتها وعزتها ومحور ثقلها وصمام أمانها، علينا أن نستدعي تلك الأحداث اليوم، ونستنطق يومياتها ونفككها كي نُعيد تركيبها، لتتضح لنا صورها النهائية ومراميها الحقيقية وأبطالها المجهولون الذين أداروا الأزمة بدهاء ومن خلف الكواليس حتى أبرزوا جميع اللاعبين وأدواتهم على مسرح الأحداث أولًا، ثم انقضوا عليهم تباعًا حتى استعادوا مصر من أيديهم، رغم حجم المؤامرة وقوة الدعم والخصوم وتعددهم من الداخل والخارج.

هذا المقال عبارة عن جمع وتحليل ما توفر ورشح من معلومات ومؤشرات وشهادات على ما كانت عليه مصر مبارك، وما أنتجته من وصفات جاهزة للانفجار من الداخل، وذرائع مثالية للتدخل من الخارج للإجهاز على الدولة الوطنية ورموزها، وعلى رأسها القوات المسلحة المصرية، تلك المؤسسة الوطنية العميقة والوازنة والحاضرة دومًا وبقوة في تاريخ مصر السياسي مشاركة وصناعة وأثرًا ونتائج.

إضافة إلى تفاصيل ما سُميت بثورة 25 يناير في مصادرة تاريخية جلية للوعي والتاريخ معًا من قبل أعداء مصر والأمة العربية حين أصبحت الانتفاضات ثورات والمعارضات ميليشيات مسلحة ورموز "الإصلاح والتغيير" طابورًا عريضًا من المراهقين والظٌلاميين وخفافيش الظلام، والسياسة تُفرض وتُقرر من الشارع.

من يُتابع اليوم شهادات رجال من عُهدة الرئيس مبارك، لا يصدمه حجم الفساد والانهيار التدريجي للدولة المصرية وهياكلها فحسب، بل حجم الصمت المُطبق والتنصل الجلي للطبقة السياسية الحاكمة، خوفًا على مصالحها الشخصية أو حياتها من بطش مؤسسة الحكم الموازية وحكومة الظل التي شكلها جمال مبارك، لكي يتسلل من خلالها لحكم مصر، ضاربًا عرض الحائط بدور المؤسسة العسكرية المصيري والوازن في تاريخ مصر، والعُرف التاريخي بصفات من يحكم مصر.

المؤسسة العسكرية بمصر تقوم بدورها المهني، وما تُمليه عليها عقيدتها العسكرية في حماية مصر والدفاع عنها، لكنها في لحظات فساد الطبقة السياسية وتحللها إلى درجة المساس بوجودها كمؤسسة عميقة وحرجة، تتدخل للفصل والحسم، لأنَّ سلامتها تعني سلامة مصر ومن خلفها الأمة العربية كقدر تاريخي على مصر لا مِنَّة فيه ولا رياء.

كانتْ المؤسسة العسكرية وإلى اللحظة الأخيرة، تراقب الوضع عن كثب عبر استخباراتها وخلايا الأزمة التي أنشأتها، وكانت في المقابل تُرسل رسائل تحذيرية سرية وعلنية للقيادة السياسية بضرورة الإصلاح والتغيير ومنع انزلاق الدولة وخطورة تسليم مصير مصر بيد شلة من المراهقين والمنتفعين، وكانت أجلى رسالة تلك التي حملها اللواء عُمر سليمان رئيس جهاز المخابرات العامة (العقرب السام) إلى الرئيس مبارك، والتي تُمثِّل موقف القوات المسلحة المصرية بعدم قبول التوريث أولًا، وألا تُحكم مصر من خارج المؤسسة العسكرية كعُرف تاريخي مقدس لا اجتهاد معه، فكان أول رد فِعْل لشلة جمال مبارك هو محاولة فاشلة لاغتيال اللواء عمر سليمان، نتج عنها مقتل جميع أفراد حمايته الخمسة، بعد أن استبدل سليمان بحسه الأمني العالي سيارته الخاصة بسيارة الحماية في الثواني الأخيرة.

كان الجيش المصري  -بحسب تقارير سرية- يُعد لحركة تغيير سياسية واسعة بمصر في 23 يوليو 2011م لرمزية هذا اليوم في عقيدته وفي تاريخ مصر المعاصر، ولما تحمله من رسائل جلية في الوطن العربي والعالم الحر، ولدى الخصوم كذلك، وكانت الخطة تشمل الإطاحة بمنظومة مبارك السياسية وإحداث تغييرات عميقة تحد من الفساد وتلبي الحد المعقول لحياة كريمة للمواطن المصري، وتعيد تدريجيًا دور مصر العربي والإقليمي والقاري والدولي. ولكن كان للمتربصين خطة مُباغتة فجَّروها في 25 يناير استباقًا للمخطط الوطني الأكبر، وهنا ركب الجيش المصري الموجة بالخطة (ب)، فأصبح المطلوب رقم (1) من الشارع للإصلاح وحماية التغيير. لهذا؛ ليس من المصادفة أن يتم تعيين اللواء عمر سليمان نائبًا للرئيس مبارك، والذي تلى لاحقًا بيان تنحي (عزل) الرئيس مبارك، وهذه أول رسالة بحضور الجيش المصري على خارطة التغيير ومستقبل مصر.

على المتابع اليوم أن يعُود بذاكرته إلى بعض تفاصيل يناير، وما تلاها، وصولًا إلى عام حكم الإخوان عبر الرئيس مرسي 2012م، ليقف على حقيقة المؤامرة وحجمها على مصر أولًا، وكيف تفاجأ الجمع بحضور المؤسسة العسكرية المصرية في مفاصل الحدث والتأثير، حين تحولت السلمية والمطالب الناعمة فجأة إلى اقتحام سجون ومقرات حزبية، وحرق مراكز شرطة دون أي مبرر أو مقدمات، وبعد تلبية جميع مطالب المتظاهرين، ثم كيف استدرجت القوات المسلحة بذكاء خارق كافة الخصوم والمستهدفين إلى دائرة استهداف أنفسهم وإدانة سلوكهم حتى وقعوا تحت وطأة القانون وقبله تحت مقصلة الشعب والوطن.

حيث أدخلت رموزَ الفساد في عهد مبارك السجن أولًا لامتصاص غضب الشارع وللقصاص منهم من قبل المؤسسة العسكرية التي أرادوا التضحية بها، رغم كونها صمام أمان مصر الوحيد وقلب مناعتها، ثم أتت الخطة الثانية باستدراج هوس الإخوان وترويض سعارهم للسلطة والاستقواء بأمريكا عبر مشاركتهم في السلطة أولًا، وتجنيبهم المساس بالمؤسسة العسكرية أو حتى مجرد التفكير بالتدخل في شأنها، وصولًا إلى إنضاج الشارع وحشد الرأي العام ضدهم، مستغلين جهلهم الواضح ببواطن الدولة العميقة وقلة خبرتهم في إدارة الدولة، وغياب مشروعهم السياسي الوطني، إضافة لسعيهم الحثيث ومسارعتهم في أخونة الدولة، تحت شعار "محاربة الفلول"، وبمباركة أمريكا وأدواتها في المنطقة، والذين يدركون أن الإخوان لا يملكون مشروعا عربيا ولا إسلاميا يشكل خطرًا على مصالحهم، وأن هاجس الإخوان الأول والأخير هو تمكين فكرهم الإخواني وجباية الأموال فقط لا غير.

كان قرار الرئيس محمد مرسي بقطع العلاقات مع سوريا وإعلان الجهاد بها بمثابة الشعرة التي قَصَمت ظهر حكم الإخوان بمصر؛ حيث تجاوز مرسي الخطوط الحمراء للأمن القومي المصري، وتطاول بوقاحة على المؤسسة العسكرية وعقيدتها ومفهومها للأمن القومي المصري والعربي، حيث لم يستوعب مرسي مغزى وجود خلية استخباراتية سورية مصرية مشتركة بالقاهرة منذ تفجر الأزمة السورية، ولم يستوعب مرسي كذلك مغزى ومدلول إصرار كبار قادة الجيش المصري ولغاية هذا اليوم على تسمية الجيش المصري بالجيش الثاني، والجيش العربي السوري بالجيش الأول، رغم غياب وتفكك الوحدة السياسية الاندماجية بين مصر وسوريا ومنذ عام 1961م. المؤسف أن مرسي لم يعش لحظات العدوان الثلاثي على مصر حين تم تدمير مقر الإذاعة المصرية من قبل طيران العدو، وحين تحول البث من دمشق العروبة بصوت الإعلامي السوري عبدالهادي بكار: "هنا القاهرة من دمشق"، كما لم يشهد مرسي لحظات انهيار السفير السوري الدكتور سامي الدروبي باكيًا أمام الزعيم الخالد جمال عبدالناصر كأول سفير لسوريا في القاهرة، بعد انهيار الوحدة، حين اعتذر السفير للزعيم عن هذه المفارقة التاريخية المُحزنة بأن يكون سفيرًا لقُطر سوري بدلًا من أن يكون سفيرًا لدولة الوحدة؛ فأبكى الزعيم ناصر معه. لو تسلح مرسي بهذه الثقافة العميقة لواقع مصر وتاريخها وقدرها لاستوعب كثيرًا هوية وعقيدة ورسالة الجيش المصري تجاه مصر والأمة العربية.

تحيَّة إجلال وإكبار للقوات المسلحة المصرية بكل وحداتها ورجالها وتاريخها النضالي المشرف، وتضحيات رجالها ممن قضوا نحبهم وممن ينتظرون، وتحية عربية خالصة للواء الشهيد المغدور عمر سليمان، الذي حمل بفخر لقبه الكودي "العقرب السام" في دوائر الاستخبارات الصهيوأمريكية لمرارة مواقفه ومرونتها معًا، وتحية إجلال وإكبار لمن أدار أزمة استدراج الإخوان إلى حتفهم في ثورة 30 يونيو 2012م المشهودة، وتحية إجلال وإكبار لشخص الزعيم الوطني الناصري عبدالفتاح السيسي، الذي سينصفه التاريخ والراسخون في العلم فقط لا غير.

وبالشكر تدوم النعم...،

---------------------

قبل اللقاء: قد يبدو مشهد مصر اليوم بأنها مصادرة من قبل الغرب وأدواتهم في المنطقة، ولكن الحقيقة الناطقة أن مصر اليوم تقول للعالم بجلاء إنها مع الحلفاء والأصدقاء والأشقاء معًا، لكنها لن تكون أبدًا ضد مصر والأمة العربية، خاصة ما يتعلق بالأمن القومي العربي، الذي تفهمه وتعيه مصر عبر التاريخ بأن العبث به يعني احتراق مصر واستباحتها أولًا وأخيرًا. فمصر اليوم مُجبرة بحكم الظروف القاهرة المحيطة بها أن تقول "نعم" واحدة، وأن تقول "نعم" مرارًا.