الاستراتيجية الأمريكية الجديدة

 

علي بن مسعود المعشني

لم تفاجأني شخصيًا المظاهرات الأخيرة في العراق كون العراقيين وجدوا المناخ المثالي للاحتكام للشارع بعد طول صبر ويأس وقنوط لتحسين أو الفكاك من منظومة الفساد النموذجي الذي تعاقب على العراق منذ احتلاله والتنكيل به عام 2003م من قبل الأمريكان والبريطانيين وبمباركة ودعم نُظم معروفة في المنطقة بزعم الخلاص من "شرور" نظام صدام البعثي وما يُمثله من مخاطر على الأمن والسلم الدوليين. فالاحتلال والتنكيل بالعراق أنتج منظومة فساد نموذجي تمثل في المحاصصة والحزبية واللتين أنتجتا وبمباركة المنطقة الخضراء المليشيات والمناطقية ثم الطائفية والقتل على الهوية.

اليوم فقط يتجلى للمتابع الراصد لأطوار ومراحل احتلال العراق وثقافة وقانون الحاكم العسكري بريمر والذي أصر على حل الجيش العراقي والمؤسسات الأمنية واجتثاث البعث وبالنتيجة نبتت ثقافة الطائفية والداعشية من قبل المتضررين فتغذت داعش من عناصر المؤسسات المنحلة وحزب البعث بفعل تغذية المحتل لنزعة إحلال طيف سياسي بمثابة خصم وضحية في زمن ما.

وفَّر المحتل مناخ الثأر والانتقام من الطيف الشيعي وإيران وأنسى الجميع دمار المُحتل وتنكيله وجرائمه كما نسي الجميع عراقية وعروبة شيعة العراق وفضل إيران في جبر ضرر العراقيين والعراق من آثار الاحتلال بعد تنكر الجميع لهما وشماتتهم بهما في لحظة أشبه بالكوميديا السوداء.

من تابع الحوار التلفزيوني لرئيس البرلمان العراقي الأسبق محمود المشهداني يُصاب بالصدمة والذهول من التفاصيل التي أدلى بها حيث قال: "كنَّا نسمع بين حين وآخر من الأمريكان وغيرهم أن هناك شيئاً ما سيحدث للعراق بعد 12 أو 15 سنة من الاحتلال، ولكننا لم نكن نكترث لما يُقال لعدم وجود مؤشرات بعينها يمكن البناء عليها، كما أن الأمريكان نصحوا بعض الفعاليات السياسية العراقية بعدم الانخراط في العملية السياسية الحالية وتجنب المشاركة فيها بأي شكل من الأشكال لأنَّ هناك ما يُخطط للعراق بعد زمن غير بعيد وستكونون أنتم من رموز تلك المرحلة!! ، إضافة إلى قيام أمريكا بعد الاحتلال بإنشاء (6) قنوات فضائية عراقية تبث من داخل العراق وبتمويل أمريكي بلغ مليون دولار لكل قناة. ورافق ذلك تشجيع الأمريكان ودعمهم المادي والقانوني والسياسي لقيام مؤسسات مجتمع مدني بالعراق والتي بلغ عددها (400) جمعية في جميع المناشط الحقوقية والإنسانية وكل ذلك بقصد التأثير على الشارع وقيادته وتشكيل وعيه في ساعة الصفر.(انتهى)

لهذا فمن الطبيعي اليوم أن نسمع شعارات إيران برا برا وأن تحرق البعثات الدبلوماسية الإيرانية بالعراق فقط دون غيرها وأن تُحمل إيران كل مشاكل العراق وفساد نُخبه وكأن المُحتل إيران وبريمر إيراني كذلك.

يجب الاعتراف بأنَّ أمريكا وحلفاءها وأتباعها في المنطقة والعالم فقدوا الكثير من أحلامهم عبر ربيعهم العبري بفضل مناعة الأقطار العربية المستهدفة وعقيدة مؤسساتها العسكرية والأمنية بدءًا من الصمود الأسطوري للجيش العربي الليبي في وجه قوة الناتو وهو شبه أعزل، وصولا إلى الصمود الأسطوري للجيش العربي السوري ومؤسساته الأمنية الرديفة، ذلك الصمود الذي ألهم الجيش العربي المصري ومؤسساته الأمنية الصمود الأسطوري في وجه مخطط أخونة مصر وتسليمها للوبي الأمريكي الصهيوني على طبق من ذهب. ولهذا لم يهدأ الأمريكي ولن يهنأ بالراحة إلا بالمزيد من الحرائق والفتن والمؤامرات في المنطقة حتى لو تطلب الأمر التخلي عن الحلفاء كأردوغان والطيف السياسي الحاكم للعراق بعد الاحتلال والتحالف مع خصوم الأمس كالأكراد بسوريا والبعث المنحل في العراق، كما لا أستبعد غزلهم لأنصار معمر القذافي بليبيا ووعدهم لهم بالدعم والغطاء السياسي وتمكينهم من العودة لحكم ليبيا بشروط معينة بقصد تعميق الثأرات والأحقاد بين الأطياف الليبية نظرًا لخلو ليبيا من أدوات وأوراق طائفية وعرقية يمكن اللعب بها وإشعالها كالعراق. وهنا تتجلى الإستراتيجية الأمريكية القادمة وخلاصتها تمكين الأضداد واللعب بالبيض والحجر معًا وعلى قاعدة نيرون ولكن على الطريقة الأمريكية "علي وعلى حلفائي".

قبل اللقاء: لم يدرك الكثير معنى ومغزى السفير الأمريكي الأسبق بالعراق حين صرح تعليقاً على المظاهرات في العراق بالقول: إن الأمريكان يمتلكون طبقة سياسية عراقية جاهزة لاستلام الحكم بالعراق بعد سقوط الحكومة الحالية، (وهو ما يُؤكد كلام محمود المشهداني بالتمام والكمال).

وبالشكر تدوم النعم..

الأكثر قراءة