أيها القتلة.. لن تمروا

حمود بن علي الطوقي

 

التحفت عمان بالحزن إثر انتشار خبر مقتل الشاب الطموح والخلوق محمد بن عبدالله العريمي، الذي قتل غدرا من مجرم لا يحمل في قلبه ذرة من الإنسانية. قتل الشاب في مقتبل العمر بلا ذنب اقترفه..

هاجر لطلب العلم والمعرفة وكله أمل أن يعود إلى البلاد التي حباها الله بالأمن والأمان بعد تخرجه ليشارك زملاءه وأقرانه في البناء والتنمية، ولكن القدر كان أسرع لتفجع عمان من أقصاها إلى أقصاها بهذا الخبر المحزن.

يقول الله تعالى في محكم تنزيله: " ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما".. صدق الله العظيم.

أعزي الوالد الشيخ عبدالله بن علي العريمي وكافة أبنائه الكرام وأسرته الكريمة في وفاة نجلهم الشهيد والمظلوم محمد العريمي، وأعزي نفسي، وأبناء عمان والإنسانية جمعاء في هذا المصاب الجلل بوفاة الشاب الخلوق والمتميز الذي قتل بالعاصمة البريطانية لندن إثر اغتيال غادر وجبان من قبل مجرمين مجهولي الهوية، وسينتقم الله منهم ويأخذهم أخذ عزيز مقتدر.

ذهب الشاب الطموح محمد العريمي إلى لندن طلبا للعلم، وكله أمل أن يجتهد ويكرس وقته من أجل التحصيل العلمي، كان طموحه أن يعود إلى عمان متسلحا بسلاح العلم والمعرفة، وتوكل على الله ومن يتوكل على الله فهو حسبه، ولقد أراد الله له الخير، لكن المجرمين أرادوا له غير ذلك.

فكانت وفاته هناك إثر طعنات غادرة وجبانة، انتقل على إثرها إلى جوار ربه ومن قتل دون ماله فهو شهيد كما قال عليه الصلاة والسلام..

نعم قضى نحبه ومات في غربته ونحسبه شهيدا عند الله حيث كان يطلب العلم، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع.

قلوبنا محزونة وعيوننا مدموعة عليه، فالفراق بالغربة كان أليما، وخبر استشهاده أكثر إيلاما، ولم يبق أمامنا إلا أن نقول: "إنا لله وإنا إليه راجعون".

وأجدني في هذا المقام مسؤولا عن توجيه الخطاب إلى أبنائنا الطلاب بأخذ الحيطة والحذر أثناء تنقلاتهم في الغربة خشية أن ينال منهم أي مكروه خاصة في هذه العواصم التي تنتشر فيها الفوضى. أجدني أيضا في هذا المقام أوصي نفسي وآل العريمي بأن يصبروا وألا يحزنوا، فولدهم الشهيد كان في سبيل الله، طالبا للعلم وعليه فهو حي عند الله يرزق.

يقول الله: "ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولٰكن لا تشعرون (154) ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين (155) الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون (156) أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون".

وليس في هذا المقام أيضا أجمل من الاستشهاد بقول الشاعر:

أيها

الجازعون من الموت

لا تجزعوا

إن بعد الفراق لقاء، 

وأي لقاء.

وأدعو الله المولى عز وجل أن يعصم قلوبهم، وأن يرحم هذا الفتى العماني الأصيل المظلوم، فرحمة الله قريب من المحسنين.

إننا العمانيون كشعب كريم، ونعيش تحت كنف سلطان عظيم ليحز في نفوسنا موت هذا الفتى الخلوق بالغدر ظلما وعدوانا، وباعتبارنا شعبا محبا للخير ويشار إليه بالبنان بإنسانيته.

ونحب الخير لنا ولغيرنا وللإنسانية كلها، فنتعجب لهذا الغدر ولو علم هؤلاء القتلة بجنسية المغدور أنه عماني لامتنعوا عن الغدر وكفوا أيديهم عنه، فسمعة العمانيين في العالم من سمعة سلطانهم الكريم، لكن القتلة لا يفرقون بين الحق والباطل، قاتلهم الله.

أيها القتلة: لن تمروا. فلدينا الله، ولدينا سلطان عظيم لا يهدر دم مواطن عماني في عهده. نسأل الله أن يرحم فتانا، ويعصم قلوب أهله، ويجبر خاطرهم ويمسح دمعتهم بفضله تعالى.

إن الكلمات لتعجز عن الاسترسال أكثر، فنحن والله والعالم في صدمة وحزن كبيرين. فاقبلوا مني هذه الكلمة القصيرة في مقام الشهيد محمد عبدالله العريمي. الشهيد الذي ينتمي إلى عائلة عريقة في شجرتها الطيبة كرما وإنفاقا في سبيل الخير وتنمية المجتمع، يشهد بذلك القاصي والداني، وابنهم محمد رحمه الله كان آخر العنقود في هذه الشجرة الكريمة. عاش متميزا، ومات متميزا، فالسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا.