سارة بنت علي البريكية
Sara_albreiki@hotmail.com
قيل قديما إنَّ الشعر ديوان العرب، ومعنى كلمة الديوان في معاجم اللغة العربية تعددت.. أما الشعر، فكما قيل عنه، هو ترجمة لكل الأحاسيس والمشاعر والمواقف العصية على البوح، وهو العذب في لغته، والجميل إحساسا في سموِّه وعلوِّه؛ فهو مُناجاة للحبيب، وروعة إنسانية يُغنِي أحيانا عن الشكوى للطبيب؛ فهو منحة إلهية تتجلَّى في مواهب اختص بها ناس دون غيرهم، ولما كان هو كذلك، تجد شعراء متحققين ومجيدين فيه، يقولون تارة قولًا مُحكما موزُونا، وتارة أخرى ينثرون دررًا بهية ذات معنى ومغنَى مُقفَّى، إلا أنَّهم ومع تلك القدرات والإمكانيات والعصامية التي يمتلكونها في سبك الحروف ورص الكلمات حتى تتشكل شعرا، يسترعي انتباهك أن بعضهم أُمِّيين لا يقرؤون ولا يكتبون، وبالكاد يفقهون ما يلزم للتزود بمختلف العلوم والمعارف في شتى مناحي الحياة، ودروب العلم والمعرفة والثقافة والأدب.
إنَّ الشعراء الذين يمتلكون أدوات لغوية تتمثل في نظم الشعر وقوله، والتشبيهات المرتبطة به، تجدهم في ميدانه يتبارون في قول الهجاء والمديح والوصف والحب والعاطفة والرثاء والانتصار والحزن والكراهية والسعادة والحكمة والفخر والعتاب، وبالنظر لحال المجتمعات -خاصة منها العربية- تجد لهذا الصنف من الأدب متذوقين ومستمعين ومحبين، وتجد ذلك ليس عندنا في عثمان فحسب، بل في سائر أصقاع المعمورة.
إنَّ بلدنا عُمان البلد الذي هو أنموذج يُحتذى به منذ القدم في نهجه وتوجهه وسياساته وعبر مجالات عدة، البلد الذي قيل عنه إنها فريد الزمان، هي موطن ذو إرث حضاري خالد متميز، بلد تلاقي اللغات والثقافات والحضارات، ولدينا في عُمان منذ حُقب طويلة سجل حافل بما تقدم ذكره، إذ يحتفظ لها التاريخ الإنساني العظيم الماجد الخالد منذ حقب طويلة بصفحات مشرقة مُشرِّفة ناصعة البياض، أخبرت بأنها مهولة بأعداد كبيرة من الضالعين في الشعر الذين هم أربابه وأهله وناسه، سواء ذلك من العلماء والأدباء، أو من البسطاء والفقهاء.
... إنَّ التجربة الشعرية بمراحلها المختلفة المعاصرة، شهدتْ في عمان نبوغَ الكثير من أبنائها في أنواع الشعر ومواضيعه، كالنبطي والفصيح والنثر والعمودي والحر وغيره، ولدى شعرائها فهمٌ عميقٌ في تفعيلاته وبحوره ورمزيته ودلالاته وصوره الشعرية المختلفة، بيد أنه يعتبر منذ عصور ولت شكلًا من أشكال الفنون العربية المعاصرة، وأولئك الذين ودَّعونا ورحلوا عن دنيانا من الرعيل الأول، لا يزال حتى يومنا هذا تتداول أشعارهم، وتسجل وتدرس وتمجد وتثار وتغنى، وتُؤخذ منها العبر والدروس، وتُضرب بها الأمثال وتعلَى بها التروس، وتسار لها الأفعال حتى لو القوم خطبوا العروس، وحتى لو داهمهم الحزن ستجدهم يأتون به ولو كانوا في حرب ضروس.
إنَّ الشعر العربي أصبح ملازمًا لكل مناسبة سعيدة كانت أو غيرها، وأصبح صفة قومية نتمتع بها في عُمان، وها نحن ما زلنا نعيش أفراحَ نوفمبر المجيد، فما من فعالية أقيمت في السلطنة احتفاء بالثامن عشر من نوفمبر، إلا وتجد الشعر حاضرًا فيها، وما الأمسية الشعرية التي رعاها مُؤخرا سيدي معالي السيد وزير الديوان الموقر بمسقط، بحضور عدد من أصحاب السمو والمعالي وأصحاب السعادة والمكرمين، إلا دليل واضح على اهتمام المسؤولين بالشعر، وحب العمانيين له على مختلف مشاربهم ومواقعهم ومسؤولياتهم؛ فصدحت حناجر الشعراء وتغنت بحب قابوس السلام والوطن والعروبة والإسلام ولا تزال، وما عهدنا من حكومتنا الرشيدة مشكورة في هذا العهد الزاهر لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس المعظم -يحفظه الله ويرعاه- إلا اهتمام بالشعراء ودعمهم وتشجيعهم؛ وذلك لأهمية الشعر في إبراز وطرح وتناول مختلف القضايا الإنسانية، وبما يُمكنهم ويُبقيهم في حالة عطاء وتألق وإبداع دائم، حفاظا ودعما لهذا الأدب والفن والموروث الأصيل المتجدد؛ فلا شك أنَّ الشعر هو اللسان العربي المعبر عن الأحوال والصفات وغير ذلك، وهو الناطق بالتاريخ والثقافة والآدب والمعرفة، فصدق الذي قال: "إنَّ من البيان لسحرا وإن من الشعر لحكمة"، وحفظ الله لنا جلالة السلطان قابوس المعظم وأيده بنصره وجعله معافَى.. اللهم آمين.