د. راشد بن علي البلوشي
أستاذ اللغويات المشارك بجامعة السلطان قابوس
إذا كان لتغيير لغة الخطبة (من الفصحى إلى العامية) أو العمل بأسلوب الشرح والتعقيب بالعامية بعد الإلقاء باللغة العربية الفصحى التأثير الإيجابي على بعض كبار السن من العمانيين الذين لم يذهبوا للمدارس ولم يتعلموا اللغة العربية؛ فإنّ أثر ذلك سيكون أعظم في حالة الحضور إذا كانوا من الوافدين الذين لا يتحدثون العربية. فللكثير من هؤلاء، ولأنهم لا يستطيعون فهم لغة الخطبة وإدراك مواضيعها وأهمية هذه المواضيع لحياتهم وللمجتمع الذي يستضيفهم، تعتبر الخطبة طقساً غير ذي أهمية ولا وظيفة لها (غير أنّها عائق آخر عن وجبة الغداء)، ولهذا لا تغير الخطبة بمواضيعها المختلفة من سلوك هؤلاء. فنرى الكثيرين منهم (مِمَن يعملون في ورش تصليح السيارات أو غسلها أو ورش الحدادة أو النجارة أو بيع مواد البناء أو بيع قطع الغيار أو غيرها من الأعمال) يستمرون في سلوكيات "الشطارة و الفهلوة" والممارسات الخاطئة (من وجه النظر الدينية) لمضاعفة المكاسب وتقليل جودة الأعمال المقدمة للزبائن ومخالفة مواعيد تسليم الأعمال (كالأبواب والنوافذ، مثلاً) والتدليس في أعمال إصلاح المركبات والغش في قطع الغيار وإطارات السيارات والكذب في ما يخص جودة مواد البناء والمواد المستخدمة في صناعة المستلزمات المنزلية ورفع الأسعار متى ما شعروا أنّ بإمكانهم خداع الزبون ورفع أسعار قطع الغيار إذا لم يكن هناك وقت كاف للزبون لكي يبحث عن قطعة أخرى بسعر أنسب، وغيرها من السلوكيات التي لا تُنبئ عن عمالة مسلمة في بلد مسلم (رغم أن مِن أسمائهم "محمد" و "ياسين" و "نور الهدى" و "رفيق الإسلام"). وطبعاً يعلم الجميع أنّ خطبة الجمعة هي الدرس الديني الوحيد الذي يحضره الكثيرون من أفراد هذه العمالة. وقد يقول البعض أنّ هذه السلوكيات الخاطئة وغيرها لم تُكتسب في عمان، بل إنّ هؤلاء جاءوا بها من بلدانهم لعلمهم بأنها تسرع عملية الكسب. نعم، ولكن من واجبنا كمجتمع مسلم يستضيف هذه الفئة من المسلمين أن نقوم بواجبنا من أجل أن يتعلموا بشأن ما هم عليه من خطأ وأن يصلحوه وأن يكونوا قدوة لغيرهم من بلدانهم وأن يعودوا إلى بلدانهم وقد تبين لهم خطأ منهجهم وتغير سوء سلوكهم إلى سلوك حسن. ولذلك، فمن الأهمية بمكان أن يربط الخطيب (أو من يكتب الخطبة) بين المبادئ الدينية والقيم الاجتماعية التي يريد تعليمها للحضور والقضايا والمواضيع المجتمعية المختلفة حتى يجذب انتباه هذه الفئة المهمة من الحضور. فمثلاً، بدلاً من الحديث عن الغش وكيف أنّه يجلب المال الحرام للتاجر والخسارة للزبون، يمكن للخطيب أن يبين للحضور أنه يجلب أيضاً الخسارة للتاجر الذي يمكن أن يصرف الأموال التي حصل عليها بالطرق غير المشروعة على علاج نفسه أو من يعول (إذا ما كان العقاب الإلهي والابتلاء سريعاً) وهي خسارة دنيوية، وكذلك خسارة أخروية بما يكتسب من الإثم ومن ثمّ من غضب الله عليه. فإذا شعر التاجر أنّه يخسر أكثر مما يخسره الزبون الضحية، وأنّ خسارته هذه يمكن أن تكون فورية (في الدنيا)، فإنّه ربما يسارع في التوقف عن ممارساته غير المشروعة.
ومن مظاهر الإبداع في خطبة الجمعة أيضاً الاهتمام بمعالجة القضايا المعاصرة التي استحدثها عصر التقدم التكنولوجي الذي نعيشه، مثل مسألة الاشتغال بالتواصل مع البعيد (عبر الواتساب وغيرها) وتجاهل القريبين من أفراد العائلة والجيران، وكذلك الاشتغال بوسائل التواصل الاجتماعي والتواصل المباشر مع الجيران والأصدقاء على حساب أفراد العائلة. وذلك التنبيه من مخاطر ومحاذير الاستخدام غير المرشَّد لهذه المنتجات، من الصغار والكبار. وكذلك الحديث بقصد التعليم والتنبيه والتوضيح (بشكل عام) عن قضايا الفساد والارتشاء والتعدي على المال العام واستغلال السلطة والواسطة والتحذير من مخاطرها على الفرد والمجتمع. ومن هذه المظاهر أيضاً تضمين الخطبة الأرقام والحقائق والإحصائيات الخاصة بموضوع الخطبة، فمثلاً إذا كان موضوع الخطبة هو الحوادث المرورية وجهود التقليل منها فإنّ لذكر أرقام الحوادث والإصابات والوفيات (والإخبار عن بعض الحالات أو العوائل التي فقدت عزيزاً أو عائلاً بسبب الطيش) أبلغ الأثر في التقليل من الحوادث لأنّ الشاب سيغادر المسجد وفي ذاكرته بعض من هذه الإحصائيات والقصص المؤثرة مما سيجعله أكثر تعقلاً في استخدام السيارة والطريق. ومن العوامل المهمة التي تجعل من الخطبة أبلغ أثراً في إيصال رسالتها وموضوعها للمجتمع هو إرسال خطبة الجمعة مسجلةً على رابط لكي تستمع إليها النساء لأن معظمهن لا يحضرن الصلاة والخطبة في المسجد؛ وذلك لأنّ دور المرأة في تنفيذ رسالة الخطبة وإنفاذها لا يقل أهمية عن دور الرجل، إن لم يزد عليه في بعض الحالات. طبعاً، نحن نعلم أنّ الخطبة تذاع على المذياع وكذلك على التلفاز، ولكننا نعلم أنه نادراً ما تشاهد النساء التلفاز أو تستمع إلى المذياع في وقت صلاة الجمعة وخطبتها، حيث يكون معظمهن مشغولا إما بالصلاة أو بإعداد وجبة الغداء أو بغيرها من الواجبات المنزلية.