المشكلات: إدارتها وإيجاد الحلول لها

د. راشد بن علي البلوشي **

يكادُ لا يخلو مجالُ عملٍ من المُشكلات، وتتطلب المشكلات سرعةً في التعامل معها وأسلوباً ناجعاً في حلها، تفادياً لاستمرارها وتزايد تأثيرها على سير العمل، وقبل ذلك، تتطلب عدم تجاهلها. وطبعاً، هناك أكثر من طريقة للتعامل مع المشكلات وإيجاد الحلول لها. سيتطرق هذا المقال لاثنتين من هذه الطُرق.   

تتمثل إحدى هذه الطرق في تشكيل لجنة من المختصين والخبراء (المحليين والأجانب) والمسؤولين ذوي العلاقة بمجال المشكلة، وعقد اجتماعات لحلها. ويقوم أعضاء اللجنة بالنَّظر في كافة جوانب المشكلة ودراستها دراسة مُتأنية مستفيضة، ومن ثم يقومون بتقديم المُقترحات لحلها. وهذه المقترحات إما أن تكون من إنتاج أعضاء اللجنة (من أفكارهم هُم) أو من بعض المصادر الأخرى (كالشبكة العنكبوتية أو الكتب أو المجلات العلمية أو غيرها).  ومن ثم يقومون بالنظر في الحلول المقترحة، ويزكون أفضلها، بناءً على بعض المعايير، منها تكلفة الحل وجودته في التَّعاطي مع المشكلة وسرعته في إصلاح الأضرار التي نشأت من المشكلة. ومن خصائص هذه الطريقة في التعامل مع المشكلات السرية في التعامل مع بيانات المشكلة، بغض النظر عن طبيعتها، سواءً عند اكتشافها (بما في ذلك الحقائق والإحصائيات الخاصة بها) وكذلك عند تشكيل اللجنة وأحياناً أيضاً عند تقديم الحلول، بحيث لا يعلم بهذه البيانات سوى "من يهمه الأمر"، رغم أنَّ "الأمر" يهم الجميع في المؤسسة، وربما خارجها أيضاً. وتعتبر دول العالم العربي هي الرائدة في هذه الطريقة.

وتتمثل الطريقة الأخرى في الإعلام بالمشكلة، من خلال القنوات المقننة لذلك، بهدف إبلاغ جميع من يهمه الأمر من عامة النَّاس بالمشكلة. وتهدف هذه الطريقة (التي تقدم للعامة الحقائق والإحصائيات المتعلقة بالمشكلة) إلى إخبار النَّاس عن المشكلة (لأنَّ الجهل بوجود المشكلة أو تجاهلها يُعتبر مشكلة أكبر) وتوعيتهم بها بغية تفاديها في المستقبل، وكذلك بهدف تهيئتهم للحلول التي سوف تطبق قريباً لإنهائها، تفادياً للخسائر وحفظاً للموارد. والهدف الآخر المهم جداً من هذه الطريقة في التعامل مع المشكلات هو الحصول على مقترحات للحل من النُخب في المجتمع (المسؤولين السابقين أو المتقاعدين والخبراء في المؤسسات الحكومية والخاصة وأساتذة الجامعات والمفكرين في المجتمع)، وكذلك مِن كل مَن يمكن أن يُفكر في حل ذي جدوى، بغض النظر عن وظيفته أو درجته العلمية. ويكون تقديم الحلول المقترحة من خلال الإنتاج الفكري لهذه النخب، والذي عادة ما يكون في شكل مقالات تُنشر في الصحف والمجلات المحلية ويتم مناقشتها في المنابر الإعلامية (وإن بدرجات متفاوتة) ودراسة جوانبها المختلفة. وتُعتبر الدول الغربية (والمتقدمة عموماً) هي الرائدة في استخدام هذه الطريقة في التعامل مع المشكلات، حيث تَعتبر النخب أن المساعدة في إيجاد حلول للمشكلات التي تنشأ في المجتمع المحلي ومؤسساته المختلفة واجب وطني وجزء من رد الجميل للوطن لابد من القيام به وعدم الضن به، فهو صدقة العلم والخبرة، وأيضاً جزء من حق التعبير عن الرأي، لأنَّ هذه المشكلات والحلول المقدمة لها ستأثر على حياتهم وحياة أولادهم.    

طبعاً، نحن ندرك حقيقة أن طبيعة بعض المشكلات تُحتم السرية أو طريقة معينة في التعاطي معها (كالمشكلات الأمنية والسياسية، وغيرها من المشكلات التي لا تؤثر على حياة الناس بشكل مباشر، ويُفضّل التعامل معها بسرعة وحنكة، تفادياً للتهويل وسوء التأويل، أو المشكلات والقضايا التي تتطلب قرارات من جهات عُليا أو عمل لمدة طويلة). ولكن كثيراً من المشكلات التي تنشأ في الأوساط الإدارية في كثير من المؤسسات (الإدارية والأكاديمية والاقتصادية) ليست مشكلات من كوكب آخر (لأنَّ النَّاس والسياقات المتعلقة بالمشكلة والظروف التي خلقتها لم تأت من كوكب آخر)، ولربما استطاع أحد المسؤولين أو الخبراء المحليين أو حتى الموظفين العاديين تقديم حل مناسب لها. وهناك قصة يعرفها كثيرٌ من القراء عن مصنع الصابون الذي ينتج علباً فارغة بالإضافة إلى العلب التي تحتوي على الصابون، وهو ما أثر على سمعة المصنع وثقة الزبائن في منتجاته. وعندها قام صاحب المصنع باستشارة الخبراء وشركات الاستشارات بغية الحصول على حل ناجع. وكانت الحلول تتضمن توصيات بشراء أجهزة متطورة تستطيع الكشف عن العلب الفارغة وإزالتها قبل أن تدخل في الصناديق، ولكنه حل مكلف جداً. وعندها قام أحد الموظفين بالمصنع بتقديم حل ناجع وقليل التكلفة يتمثل في وضع مروحة بجانب السَيْر الذي يحمل علب الصابون، حيث سيقوم الهواء بإزاحة العلب الفارغة عن السير، وبذلك يتم تفادي دخولها في الصناديق التي تذهب للمستهلكين.

ورغم علمنا بأنَّ الحلول ممكنة والتوصل إليها ممكن للكثيرين منِّا (طبعاً إذا أُعْمِلَ العقل)، إلا أننا في هذا الجزء من العالم نفضل تشكيل اللجان وإدارة المشكلات بالطرق التقليدية، هذا طبعاً بعد أن نكتشف المشكلة ونعترف بوجودها. ولكن العالم الذي سبقنا يعتمد أسلوباً يوفر الحلول بطريقة مجانية وسريعة، في الوقت الذي نحبذ فيه نحن اللجان والاجتماعات، حتى غدا مثلاً في إحدى الدول العربية "إذا أردت أن تُعقّد مشكلة، فشكّل لها لجنة".

أستاذ اللغويات المشارك بجامعة السلطان قابوس