الهيئة الوطنية للانتخابات.. دواعيها وحتمياتها

ندعو لدمج انتخابات الشورى مع المجالس البلدية لتقليل الإنفاق المالي

ضرورة فصل الانتخابات عن أية إشراف حكومي

 

د. عبدالله باحجاج

كيف ينبغي أن ننظُر لمستقبل تجربة الانتخابات في بلادنا؟ وكيف ينبغي تحصينها لكي تستمر ديمومة الإجماع على نتائجها؟ وهذه الديمومة ينبغي أن تشكل الآن أولويةً في التفكير والتخطيط للمرحلة للمقبلة؛ في ضَوء إشكاليات مُستجدَّة على انتخابات الفترة التاسعة في محافظة ظفار من جهة، ونسبة الإقبال المتزايد عليها من جهة ثانية. وفي المقابل، كيف يُمكن أن تتمَّ عملية الانتخابات بشقيْها الشوري والبلدي دون أن تشكلَ عبئا ماليًّا قد يؤثر على آلياتها وميكانيزماتها كما حدث في الفترة التاسعة!

نفتحُ هُنا رؤيةً استشرافيةً ينبغي النفاذ لها الآن بعد أن انتهت البلاد من استكمال كل الإجراءات الانتخابية والقانونية لتعيين أعضاء الفترة التاسعة لمجلس الشورى، والتي كان آخرها أمس بانتخاب رئيس المجلس ونائبيه؛ مما سيبدأ معه ممثلو المجتمع ممارسة دور الشراكة مع الحكومة لأربع سنوات من أصعب سنوات العلاقة بين الشريكين.

رُؤيتنا تنطلق من رفع نسبة الإقبال على الانتخابات بنسبة 20% على عكس حالة التشاؤم التي كانت سائدة قبل الانتخابات، وقد احتلت ولاية صلالة الأولى بين الولايات بنسبة 71%، وكذلك ما حدث في محافظة ظفار من بُطء في التصويت الإلكتروني والأعطاب التي أصابت الأجهزة، وحالة التدافع المصاحبة لها...إلخ، وكذلك ماهية التحوُّل الاجتماعي الذي أفرزته انتخابات الفترة التاسعة، وهو تحوُّل يصطبغ بالصبغة السياسية المتنامية؛ مما يعني أن هناك كيانا جديدا قد بدأ يتشكل على خلفية الاستحقاقات الانتخابية.

وهذا الكيان هو المجتمع السياسي؛ فقد أفرزته بجلاء مرحلة ما قبل انتخابات الفترة التاسعة وأثنائها، وإن كانت تفاعلاته السابقة تشير كلها إلى أنَّ ظهوره لم يعُد سوى مسألة وقت، رغم أنَّ هناك الكثيرَ قد لا يرون ولادته بذلك المفهوم، لإغراقهم في الخلفيات القبلية، رغم أنها في الجوهر تؤسِّس هذا الكيان، وقد لا يهتدي إليه التفكير العام؛ لأنه مصطلح جديد على الثقافة المحلية، ولأن الانشغالات العامة تنصب على حجم المنافسة وهاجس الفوز، لكن لو تمعَّنا في برامجها، سنلاحظ أنها تعبِّر فعلا عن المجتمع السياسي.

فالمُجتمع السياسي جزءٌ من المجتمع العام الذي يجعل من الشأن العام محورَ اهتمامه من خلال السعي لاختيار مرشحين منهم للدفاع عن مصالح وحقوق المجتمع، كشركاء مع الحكومة، وفي مرحلة لاحقة -وهى آتية لا محالة- عندما تتطوَّر تجربة الشورى، فسيكون هدف هذا المجتمع بلوغ السلطة التنفيذية بُغية تطبيق البرامج الموعودة من قبل المرشحين أثناء حملتهم الانتخابية.

وبلوغ السلطة التنفيذية من قبل النخب المنتخبة من المجتمع، قد أصبح هاجسا مرتفعا لكل من يصل لمجلس الشورى، خاصة منذ العام 2011 عندما اختارت السلطة السياسية مجموعة أعضاء منتخبين من مجلس الشورى لتولي مناصب وزارية في الحكومة، فكيف لو أصبح هذا الولوج مُقنَّنا ضمن المنظومة السياسية لمجلس الشورى؟ فعلينا تصور مشهد الإقبال من الجهتين الناخب والمنتخب على صناديق الانتخابات بعد اعتماد هذه الهندسية السياسية؟

لذلك؛ فالتساؤل عن المستقبل له ما يبرره وما يحتمه في الوقت نفسه من خلال ما تقدم؛ فالآفاق المستقبلية للتجربة تجعلنا نطلق ذلك الاستشراف الثنائي كمتلازمة حتمية للتطور لدواعي الرهانات المجتمعية على صناديق الانتخابات، وصدقيتها ووقبول نتائجها، وهذا يفتح لنا ملفين أساسيين وعاجلين لمواكبة التطورات اللاحقة والمتلاحقة، هما دمج انتخابات الشورى مع البلدي للتقليل من حجم الإنفاق المالي، وهذا يتطلب إجراء تكييف قانوني لتقارب مدد سنوات انتخاباتها، والثاني: إقامة هيئة وطنية عُليا للانتخابات مستقلة، وتتمتع بالشخصية الاعتبارية والمالية والإدارية، مهمتها الإشراف على العمليات الانتخابية وإدارتها في كل مراحلها المختلفة، وضمانة استمرارية صدقية نتائجها في مجتمع بدأ يتطوَّر سياسيا بصورة متصاعدة، ومعه ستزداد المنافسة بصورة متنامية وتعقيداتها في الفترة العاشرة لمجلس الشورى.

مما يستدعي فصل الانتخابات عن أية إشراف حكومي عبر إقامة تلكم الهيئة المستقلة لكي تتفرَّغ للإشراف والتأطير والتوجيه لمسارنا الديمقراطي المتطور، وسوف يكون لنا وقفة معها في مقال مقبل، لكن نُركِّز هنا على أهمية القيام بمهمة التوعية والتثقيف لترسيخ ثقافة الانتخابات في المجتمع السياسي؛ وذلك لضمان مسايرة الممارسة السياسية للانتخابات ضمن إطارها المناسب والصحيح، فوعي المجتمع بممارسة حقوقه السياسية والمدنية ضمن القانون أولوية وطنية عاجلة، وذلك عبر إعداد خطة منظمة ومتكاملة وذات آجال زمنية متعددة للتوعية والتثقيف، والحرص على تنشئتها عبر الأجيال وفق ما يُسمَّى بالتنشئة الاجتماعية عبر مناهج التعليم وبرامج التربية المدنية.