د. سيف بن ناصر المعمري
حكايتنا مع الأرقام لا نهاية لها، نحتفل بها حين تكون لصالحنا ونتجاهلها حين تكون ضدنا، نعطيها أهمية كبيرة لمعادلاتها وعملياتها، خاصة في القسمة التي يفوز فيها البعض ويخسر البعض الآخر، وهذه العمليات الرياضية يمكن أن تصبح عمليات سياسية أيضا، ومن خلالها يمكن أن نفهم بعضا مما يجري في بلد ما خلال فترة زمنية معينة، ونفهم من خلالها أين تكمن الإشكاليات وأين توجد الحلول.
فحين نقول -على سبيل المثال- ثلاثة على واحد، فهذا رقم له دلالاته في حياتنا السياسية خلال هذا العقد، فالثلاثة يتمثل في عدد دورات مجلس الشورى من (2011-2019)، أما الواحد فيشير إلى الحكومة الواحدة التي عايشت هذه الدورات الثلاثة، تغير المجلس ثلاثا، لكن الحكومة ظلت واحدة، ومع ذلك شهدنا في الأشهر الماضية ربط تغير المجلس بتغير في واقع التنمية وإشكالياتها، وظهر ذلك من خلال التأكيد الإعلامي والرسمي الكبير على الدقة والكفاءة في اختيار المرشحين، وإلى أيضا الضغط على الناخبين من حيث تأثير أصواتهم على مستقبلهم ومستقبل بلدهم، والسؤال الذي أود أن أطرحه بعد انتهاء الانتخابات: هل بالفعل يمكن أن يحدث تغيير والمعادلة التي تحكم المشهد منذ عشر سنوات هي نفسها حتى الآن؟ هل تغيير مجلس الشورى سيقود إلى تغيُّر في سياسات الحكومة وإلى اختلاف في إنجازها؟ وهل المجلس بالفعل قادرٌ على الرقابة على الحكومة؟ وإن حاول، فهل تقبل الحكومة رقابة عليها من مجلس ترى أن كثيرا من أعضائه لا يملكون المؤهلات والنضج الذي تمتلكه هي؟
هذه بعض الأسئلة التي تلقِي بظلالها على مشهد فيه خلط للأوراق والأدوار ما لا يتصوره أحد؛ وهذا الخلط في حد ذاته هو إشكالية كبرى فيما يواجه تنميتنا ونحن على أبواب عقد جديد، وربما لا يتسع المقال لإلقاء الضوء على كل تلك الأسئلة، ولكن نحاول أن نفهم هذه المعادلة التغييرية الناقصة في عُرفنا التنموي، والتي ربما لا تسمح بمساحة كبيرة بالآمال والتوقعات؛ وسوف أركز على مفتاحي هذه المعادلة مجلس الشورى والحكومة: من منهما يقود الآخر؟ ومن الذي ينبغي أن يتغير حتى تتغير أبجديات الواقع، وتنطلق التنمية من عقالها لتواكب التحولات والتطلعات الوطنية؟
إذا ما أخذنا الطرف الأول في هذه المعادلة وهو الحكومة، سنجد أنها لم تتغير إلا بشكل بسيط خلال العشر سنوات الأخيرة، وربما هي الأطول استمرارا في العقود الخمسة من تاريخ النهضة، رغم أن فترتها شهدت كثيرا من التباطؤ في عدد من الملفات الاقتصادية والتعليمية والسياحية وغيرها، وكان النجاح محدودا جدا في إيجاد حلول للمشكلات العميقة مثل الباحثين عن عمل، والتنويع الاقتصادي، وجذب الاستثمارات، والاستفادة من الفرص الإقليمية، ورفع مستويات المعيشة، وتحسين مخرجات التعليم، ومع ذلك قاومت أي محاولات من المجلس للرقابة، ووضع الأمور في نصابها حتى تتجنب البلد مزيدا من التحديات، بل إن الجميع تفاجأ بتصريحات مؤخرا حول تقييم رؤية "عمان 2020" دون أي اعتبارات للمؤشرات الواقعية في محاولة لتأكيد النجاح، واستخدمت في ذلك الأرقام التي نتكلم عن دلالاتها التنموية في هذا المقال، فهل يستطيع مجلس أن يغير حكومة ويراقبها إن كانت هي لا ترغب في ذلك، وترى أن ما تقوم به هو الصواب الذي لا يدركه أعضاء المجلس ولا منتخبوهم؟
أما الطرف الثاني من المعادلة، فهو مجلس الشورى، والذي يبدأ اليوم الأحد الدورة التاسعة (والثالثة في ظل الحكومة القائمة)؛ ولا أبالغ في أن أعضاءه لو رجعوا إلى البيانات الوزارية التي ناقشها زملاؤهم في الدورة الأولى في 2011، لوجدوا أنَّ ما طرح فيها منذ ثماني سنوات هو ما يجب أن يُطرح اليوم؛ لأن الإشكاليات لا تزال نفسها مع تنامي تأثيراتها وتعقدها عن ذلك الوقت، كما أنه ليس مبالغة إن قلنا إن الإشكاليات التي واجهت الدورة الثامنة من المجلس مع الحكومة بوزاراتها المختلفة هي نفسها التي ستواجه أعضاء الدورة التاسعة؛ مما يعطي مؤشرا على أن كمية الخطابات التي صاحبت الانتخابات وركزت على الكفاءة، وتأثير المجلس على مستقبل البلد، وتصويره بأنه ربما يكون القشة التي ستقصم ظهر التنمية والمستقبل إن لم يُنتقَ أعضاؤه بعناية، موضوعا بحاجة لتفكير ونقاش حتى لا نقع في فخ الأمل لأربع سنوات مقبلة، ونعود بعدها لنشنق المجلس بكلماتنا لتقصيره وإخفاقه؛ وبذلك يتحول من كونه مجلس لحراسة التنمية إلى كبش فداء يحمل مسؤولية التقصير والإخفاق، ويتحول الناخب من ورائه ليكون المسؤول الأول عن الأزمات الكبرى والصغرى التي تتعرض لها البلد؛ لأنه هو الذي انتخب المجلس، وبذلك يُبعَد المسؤولون الحقيقيون الذي يملكون القرارات المؤثرة عن أي مسؤولية تذكر، أليس هذا قلبا للموازين، والأدوار والمسؤوليات؟
لا شك أنَّ ربط التنمية بمعادلة ثلاثة على واحد؛ لن يقود إلى تحقيق التغيير الذي يتطلع إليه عشرات الآلاف من الشباب وهم ينتظرون فرصا للعمل تحقق لهم مستقبلا أفضل، ولا يمكن أن يقود أولئك الذين يجلسون على مقاعد الدراسة للحصول على تعليم أفضل، ولا يمكن أن يقلل من هدر المال العام، وخسائر الشركات الحكومية..إلخ، وحده الذي يمكن أن يحقق ذلك هو التغيير في طرفي المعادلة، وأسسها؛ بحيث يمضي نظام الأربع سنوات على الجميع؛ مجلس شورى ووزراء الحكومة؛ وتطبق شروط الكفاءة عليهم جميعا؛ وكذلك الرقابة، وإقرار الذمة، ومؤشرات الإنجاز؛ ويتم الإفصاح عن التقارير المختلفة بأجهزة الرقابة بكل شفافية؛ فمن يعمل وينجز يستحق أن يحصل على الثقة مرة أخرى، ومن يفشل تُنزع منه الثقة. لكن إن لم يحصل ذلك واستمرت معادلة ثلاثة على واحد، فعلينا أن نقتصد في آمال التطوير، لأن لكل شيء شواهد، والشواهد تقول لنا أشياء مختلفة.