فتحي إسماعيل | مصر
11
آيلا العزيزة..
مساء الخير والنور،
ما زلت أنتِ أنتِ،
تملئين أناي
وتحتلين أرضي وسماي
ويهفو إليك كلّي...
ناسكٌ في محرابك في غير زهد
متبتّل غيرَ مُبّتَلٍ بسقيا،
متأرجحٌ بين ضلالي فيك وهداي.
12
عزيزتي آيلا.. صباح الخير.
كيف حالي عندك؟
تذكرين حين أخبرتك أنك شمسي؟
الشمس يا صديقتي لا تهب الحياة ولا السعادة،
ولكن غيابها يغبش الروح،
ويفسد طعم ولون ورائحة الأشياء.
وتضمر الزهرات الوليدات،
ولا تنمو براعم الحياة على أرض، لم تتعمّد بطلّتكِ.
لن أخبرك عن قضايا الشرق وحروب الأرض، وحروق الحدائق.
فشموس المحبة حين تغيب، ترعى سموم الريح في عتمات الأرواح.
كوني متعامدة على روح المحتاجين، اجتاحي الكون، فالكون يحتاجكِ.
13
عزيزتي آيلّا... صباح الخير
يبقى ما بيني وبينك رابط لم ينشأ عن دراسة جدوى العلاقات وماهيتها ونهايتها بقدر ما هو رباط ربانيّ متين، يجعلك أول وجه يطلُّ على صباحي وأول بشر يصافح مخيلة عبوديتي للإله
وأول ونس يعانق جفاف وحدتي..
وآخر نفس في قِربة عطشي أعشم فيه دائما كلما ظمئت روحي وظمئ عقلي...
انسبتِ كقطرة انزلقت في حلق ظاميء يعبُر صحراء قاحلة.
(أحبكِ) حقيقة لا يفصم عرى عمقها أي تشابه مع مثيلاتها
أنتظرك دوما مع كل نبضة قلب، ومع كل شهيق، يعبيء الصدر بالبراح ويبقى دائما عصيًّا على التحلل أو الذوبان إلا المزيد من احتلال المسام.
14
مساء الخير آيلّا العزيزة..
هل أخبرتُك عن تيهي في صحراءَ لا يلزمني فيها غيركِ؟
كيف يربّت عبدٌ أسلم بربوبية إلهٍ
زرعك في عينيه واحةً؛
على كتفيك، وهو يراهما بعين الطفل بيتًا يأويه..
ويدك الحانية.. ملاذٌ يحتمل نزق الطفل وشقوته.
وعيونك بحر الغيّ العاتي على ثوبة زُهّاد، هربوا أو غرقوا.
وأنا غِرٌ في بحرك أسبح، منهكٌ.. متمردٌ.. متتطلبٌ.
لا أملك زورقًا غير حنينٍ..
وأملي الموقوف على ثغركِ.
15
عزيزتي آيلّا .. صباح الخير
حين تدفعينني للانشغال عنك بالعالم .. أذهب وأنا أحملك بداخلي...
أحمل صوتكِ.. وجهكِ.. عقلكِ المتسع لطهري ونزقي،
لم يجرؤ غيركِ على اقتحامي،
لم يجرؤ أحد قبلكِ على أن يغيرّ من خارطة أيامي ويعيد تشكيل جمجمتي.
كأني لم أعرف بشرًا غيركِ، لا شيءَ منكِ يغادرني..
ما يجمعني بكِ بات كلّا يُشّكّلني،
معلق علي خشبة الصبر..
ورأسي رغم استسلام الروح.. لم تنحنِ
منتصبةٌ... تناجي الله فتجيبين أنتِ..
16
آيلا العزيزة..
الكل يبحث عن أيلّا،
الكل لا يصدّق أن الحَّب الحق كالشمس
يشرق كل يوم، يصافح وجهكِ كل فجر،
ويستظل تحت جدار روحك قيلولة لا تخلو من حلم سطوع عينيك على محياّ صاحبه.
لا أحد يعترف بحب دائم، لا يباع في (مولات الشراهة والحداثة والاستهلاك).
حب لا تمنعه المواقيت ولا يحجبه الغياب، ولا يبهت سعير حرارته الأفول والانطفاء.
الكل لن يراكِ، ولا يصدّقني.
لكنك ستظلين الكلّ عندي،
وستظلين شمسي وظلي،
وأبدًا ستجدين يدي ممتدة إليك عونا، وعوزًا لا يشبعه إلاكِ.
17
آيلا العزيزة
مهما تشابهت المساءات وتنوعت المراسلات،
تظل رسائلي إليك صلاة، أقيمها بخضوع ومحبة وخشوع،
ما بين تراتيل التوق وأهازيج الامتنان..
أدرك أنك لست قِدّيسة...
ولكني لا أراني عارفًا مريدًا إلا بين يديكِ.
هكذا يراكِ الله... وهكذا صنعك.
هو يعرفني جيدًا ويعرف هشاشة روحي.
ويختصني بك، واختصك بكل ما فيّ.
عليك السلام أينما كنتِ، حتى يعم السلام روحي.
18
العزيزة آيلا... صباح الخير.
كل الذين كانوا ينثرون الورد على وجهي..
ألحقوه بالخذلان حين توالت رسائلي إليك..
فكلهم موقن أنه لا يصلح لدور الشمس.
النهار الذي خلقتِيه بمرورك فوق عينيْ روحي باقٍ..
وسيبقى وإن حجبته سحب الكدر والملل والركود.
منذ متى والسحب تدوم؟ ولا المطر يخلد في الهطول؟
لكنك شمسي الخالدة فيّ..
ما دمت أتنفس هذه الحياة بلأي ووصب ومزيد من الانتظار
19
عزيزتي آيلا
شهر أكتوبر يطل من جديد،
لم يغِب كثيرًا عن طفولتي التي كانت تستقبله دائمًا بالمرض،
ولم يبتعد وقع خطو الرجال - حين كانوا رجالًا- على صهوة الرمال، فيفعلون...
ولا يكتفون بالنوم على الأرائك وبث الفتن واصطياد الأمان من القلوب والبيوت.
يبحثون عن رجفة كاذبة، بوعد كاذبٍ وحروفٍ مبُتلة بعرق أصابع أمرضها اجترار الكسل والعجز.
الرجال يا صديقتي تراجعوا لمؤخرة الصفوف، وتركوا النساء يكتبن الدرس ويستذكرنه.
يخضن الحروب بدلا عن لحاهم التي تفننوا في تمشيطها.
كوني بخير
كوني وطنًا يحتمي بالوفاء وبسيرة الذين أنجبونا ولم يتركونا نغرق في بحيرات التردي
20
صباح الخير عزيزتي آيلا
الابتسامات العابرة.. لا تليق بالمتخمين بالوله.
والنزهة السريعة أكثر ألمًا من اشتياق لا يفضي إلى وصل.
والمحبون حقًا، سحب لا تخفّ أثقالها إلا بالهطول.
انهماري فيك لا يسكّن وجعه لقاءي العابر بك.
الطمع في بعضك نسك لا يليق بجلال كلك.
كيف أراك شجرة ولا أتخذ من ظلك أبدية سكناي حيًا وفانيًا؟
21
العزيزة آيلا.
الصباحات تتوالى تباعًا، والأيام تترى يومًا بعد يوم.
كساعةٍ رملية معبأة.
