يوسف عوض العازمي
"تاريخ شرق أفريقيا يُعاني قصورا في الدراسات التاريخية العربية، رغم أن العلاقات عريقة وتعود بجذورها إلى عصور موغلة في القدم ومع ذلك لم تنل الاهتمام الجدير بها". أ.د بنيان التركي.
في دراسة التاريخ فائدة ومُتعة، وفي الدراسة الجامعية بتخصص التاريخ تمر على الطالب عدة مقررات تلفت نظره ويستفيد منها، والتاريخ كله عبر وأحداثه مليئة بالتشويق والإثارة والدروس المتعلمة للقادم من الزمان، ومن ضمن المُقررات الشيقة المفيدة التي درستها في علم التاريخ، مقرر تاريخ أفريقيا الحديث، وفي الواقع أن هذا المقرر لايحكي ويبحث في تاريخ أفريقيا فقط، بل يسلط الضوء على التاريخ العماني العريق في شرق القارة السمراء.
ومن الجميل والمفيد أن من يدرس ويشرف على دراسة المقرر هو أكاديمي متخصص في تاريخ شرق أفريقيا ولديه إلمام واسع ومعرفة غنية بتاريخ عمان الزاهر في تلك البلاد.. ألا وهو الأستاذ الدكتور بنيان التركي، وهو باحث أكاديمي معروف ومعلم أجيال فاضل ومهتم بهذا التاريخ، ووصل به الأمر إلى الذهاب إلى زنجبار والبلاد المجاورة لها، وأقام بها مدة زمنية وتعلم اللغة السواحلية، وهو يعتبر مستودع معلومات في هذا التخصص المثير للجدل والمليء بالأحداث التاريخية الملفتة والتي غيرت وجه التاريخ في تلك الحقبة الزمنية الماضية. فكانت محاضرات الدكتور التركي مليئة بأحداث التاريخ، وكان يعلق عليها بشفافية ويطرح الحدث بوجهة نظر تاريخية متزنة وبدقة العارف لهذه البلاد وما مر عليها من أحداث جسام وتقلبات تاريخية لم تبق ولم تذر.
ومما درست وتعلمت عند أستاذنا الفاضل قصة وتاريخ حمد بن ثويني (1893 -1896م) حفيد السيد سعيد بن سلطان. وسادس حكام الأسرة البوسعيدية في سلطنة زنجبار العربية، الذي ولد في مسقط عام 1856م. وعاش في كنف والده سلطان مسقط السيد ثويني بن سعيد، ووالدته الأميرة غالية بنت سالم بن سلطان، والسيد حمد بن ثويني كان يتمتع بثقافة عالية وكان ذواقاً للأدب، ووصفه القنصل البريطاني رينال رود Renal Rood بأنه ذو عقل ليبرالي، ولا يخاف من التصرف بجرأة وصاحب قرار. ولما كان العرب في السلطنة يقدرون التعليم، احترموه لتعليمه العربي، وكانت له دراية بمزايا الحضارة الغربية.
وبعد ذلك تزوج من الأميرة تركية ابنة عمه الأمير تركي بن سعيد. ولم يصمد هذا الزواج طويلا، بسبب الظروف السياسية التي كانت تعيشها أسرة البوسعيد، ولعبت دورًا في الفصل بينهما، فعندما نجح تركي بن سعيد في الوثوب إلى السلطة في مسقط، أوجس خيفة من ابن أخيه الأمير حمد بن ثويني... وإلى آخر القصة التاريخية المعروفة.
ومما فهمته وتعلمته من خلال التعلم والدراسة في هذا المقرر التاريخي الهام، أن لدولنا العربية تاريخا عريقا ومشرقا حتى زمن قريب، وحتى أثناء وجود الدولة العثمانية، ولا أعلم لماذا لا يهتم المؤرخون بتلك الحقب الزمنية المليئة بالأحداث، والتي ارتبطت خلالها عدة أحداث ما تزال مثار جدل حتى الآن، ولعل كتاب "مذكرات أميرة عربية" للسيدة سالمة بنت سعيد، (1844- 1924) وهي بنت سلطان عُمان وزنجبار وسليلة عائلة البوسعيد والتي حكمت سلطنة عُمان وزنجبار في أواخر القرن الثامن عشر إلى ما بعد ستينيات القرن العشرين، من أهم الكتب التي تلقي الضوء على مرحلة تاريخية مهمة تقلبت بها أحوال، وتبدل فيها التاريخ، وهو ما يدل على أهمية الاهتمام بهذه الفترة الزمنية التي كتبت تاريخ عُمان في شرق أفريقيا حتى وقت قريب من زمننا هذا.
alzmi1969@