مجلس الشورى.. وفارق الصوت الواحد

مسعود الحمداني

Samawat2004@live.com

أُشفِق أحيانًا على المرشحين لمجلس الشورى، الذين يتلقون النقد اللاذع، ويُمارَس ضدهم الإقصاء، ويُكال السباب لفئة منهم، وتنهال الشتائم عليهم، ولا ذنبَ لهم سوى أنهم أرادوا أن يحققوا حلمهم الخاص، ويصلوا إلى المجلس، بغضِّ النظر عن المطية التي يركبونها للوصول.

فمنهُم من يخرج فجأة للمجتمع ويزاحم الآخرين، ويعلِّق الشعارات الرنانة والفضفاضة التي لا تفضي لشيء، ومنهم من يدفع المال من تحت الطاولة، ومنهم من يتحوَّل إلى ساعي بريد ويسخِّر نفسه لقضاء حوائج المواطنين في الوزارات، ومنهم من يتَّخذ من شهادته العلمية مدخلا لتعاطف الناس، ولكن في المقابل منهم من لا يفعل كل ذلك؛ فهو يقوم بعمل مجتمعي ووطني دون أن تشوبه شائبة، ومثل هؤلاء ليسوا قلة.

لقد مرَّ على المجلس الكثير من الأعضاء الذين اعتقدوا أنَّ الكرسيَّ غاية لتحقيق مصالح شخصية، وظنوا أنهم مانعتهم حصون الحصانة البرلمانية، فباعوا ما يملكون للوصول للبرلمان على أمل التعويض لاحقا، واتخذوا من القبيلة ترسانة لفوزهم، ومن البسطاء مطايا لتوصيل أصواتهم، ولكن خابَ ظنُّهم في آخر المطاف، وخرجُوا من المجلس يضربون أخماسا في أسداس على ما فرطوا في حق الوطن وأنفسهم، وأقسم كثيرٌ منهم أن لا يدخلوا المجلس بعد عامه هذا. ومثل هؤلاء كانت لديهم أجندة شخصية خاصة لا علاقة لها بالمواطن، وخدمة المجتمع، واستعملوا صوتهم الصاخب أمام شاشات التلفاز للتأثير على الناس، لكنهم في مكاتب الوزراء والمسؤولين -وحين تغيب الأضواء- كانوا قططا مسالمة، تأخذ باليمين، وتلعن باليسار، إلى أن فقد الناخب ثقته فيهم، وربما كانوا سببا في تهميش مجلس الشورى، ورسم صورة هلامية له في ذهن المواطن.

وفي الجانب الآخر، دخل المجلس أعضاء آخرون منهم من انتهت فترته ببياض الوجه، ومنهم من ظل مرابطا إلى الآن، يحملون رسالة المواطن، وصوته، ويحظون بثقته، وهم فاعلون في المجتمع المحلي دون انتظار المردود، كان صوتهم هادئا، ولكنه كان رصينا ثابتا، ولم يتخذ من المجلس وسيلة لتحقيق مصالحه الشخصية، وكان صوتا مدافعا عن حق المواطن، وكيانه، رغم كل العوائق التي وقفت في وجهه، ولكن ظل صامدا في وجه الرياح، وفي محاولات تهميش المجلس، وتفريغه من صلاحياته؛ فمثل هذا العضو مؤمن بالتغيير الذي لا مفر منه، ولو بعد حين.. ولكن مثله قلّة.

إنَّ عضوَ مجلس الشورى هو من يمثل وعي الشعب، وإرادته، وهو انعكاس للعملية السياسية والديمقراطية حتى لو رآها الكثيرون تسير ببطء، لكنها آتية لا محالة، وكلما فهم الناخب والعضو ماهية الشورى ودلالاتها، مضت العملية في النهاية إلى مسارها الصحيح، فمهمة عضو مجلس الشورى ليست في حمل رسائل المواطنين أمام أبواب الوزراء، وهو ليس ساعي بريد -كما أشار وزير الإسكان في إحدى جلسات الاستماع في المجلس- ولكن مهمته رسم سياسات عامة، والمشاركة في اتخاذ قرارات مهمة ومصيرية تسهِّل على المواطنين حياتهم، ولا تعقِّدها، وأن يكون له صوت واضح ومهني يعين الحكومة على وضع سياساتها دون المساس بحياة المواطن العادية، وهي مهمة يفهمها البعض، ويصمت عنها الكثيرون.

إنَّ الإخفاقات في أداء بعض أعضاء المجلس في الفترات الماضية، يجب أن تكون أحد الدروس المستفادة لعملية اختيار الناخب لمرشحه؛ حيث تقع على عاتق هذا الناخب المسؤولية الكبرى في توصيل مرشح غير كفء إلى البرلمان، وبيده كذلك أن ينتقي الأفضل لتمثيله في المجلس، ولإيصال صوته إلى الحكومة.. وليتذكر الناخب دائما أن صوتا واحدا قد يكون هو الفارق في فوز أو خسارة الأكفأ لحمل أمانته خلال السنوات الأربع المقبلة.. فليحسن الاختيار.