إفك "القرآنيين"

منى جعبوب

 

إنَّ أول دوافع المعصية والجريمة هي النفس الأمارة بالسوء وإن أعلى درجات النفس الأمارة بالسوء، سوءًا هي تلك النفس التي تجعل من شهواتها مدارس تتبع ومذاهب تبتدع. وأول ما ظهر لنا من يسمون أنفسهم بـ"القرآنيين" ما كانوا غير شهوانيين يعترضون على إيقاع حد الرجم على الزاني والزانية ويحتجون بأنَّه لم يذكر في القرآن، وعندما قيل لهم مثبت بالسنة الصحيحة دفعهم الأمر إلى إنكار السنة.

وفي أي مجتمع إسلامي تكثر فيه الرذائل من زنا وسحر ولواط وغيرها من الفواحش تجد جماعة القرآنيين تنشط ويعلو شأنها، والحقيقة مما استوقفني في هذا الشأن ودفعني لهذا الموضوع أنَّ أحد الإخوة من إندونيسيا زميل لي في الدراسة في مرحلة الدكتوراه بماليزيا كان يدافع عن السحرة والسحر رغم أنَّه متدين ومصلٍ ولا أعتقد أنه ساحر، فقال له الدكتور المحاضر هل:" تعلم أنه ليس لهم في الإسلام إلا حد السيف"، فرد عليه: "بل ذكروا في القرآن أنهم من آمن بموسى وأنهم المؤمنون".

صدم زميلنا كل من في القاعة صدمة بالغة، أخذ المحاضر وكل من في القاعة يحاولون أن يقنعوا زميلنا ويسوقوا له الأحاديث النبوية.

فقال لهم: "أنا لا أؤمن بغير القرآن".

حيثما يوجد القرآنيون يوجد السحر وتوجد الرذيلة ويوجد عبيد الشهوات ولذا من الضروري في كل مُجتمع مسلم يريد الحفاظ على قيمه الأخلاقية أن يحارب هذا الفكر الذي يبررون له ليبرروا لأنفسهم الأخطاء والتجاوزات اللاأخلاقية. فحد الزنا لم يعد مطبقًا في أغلب الدول ولا حد ضرب رقبة الساحر ولكن لا زالت المجتمعات الإسلامية التي هي على الفطرة السليمة تجرم الفعل وإن لم تنفذ ضده العقوبة وهم الآن يسعون لإصباغ الشريعة على مخالفتهم للشريعة.

بل وصل بهم الأمر لاعتبار أن الحديث الشريف شرك ورجس من عمل الشيطان وهناك في العالم الإسلامي حركات معلنة في باكستان والهند وتوجد أيضا منظمة "زجي أمل" في كازاخستان. والجمعية القرآنية الماليزية التي تأسست على يد قاسم أحمد. وحركة "زومراتول جاميو مومن ول جاميو مومن" في ولاية أوجون في نيجيريا.

وهذه الجماعات والمنظمات تصنف نفسها بأنها جماعات إسلامية ولها مدارس تعليم قرآن ومدارس إسلامية وتنشط في مجال الدعوة في بلدانها وتضم إليها مسلمين جددا يصل عددهم إلى عشرات الآلاف في أفريقيا والقارة الهندية يدخلون الدين الإسلامي وهم لا يؤمنون بالحديث الشريف! والغريب أن الدعم المالي لهذه الجماعات سخي وقدراتها المالية عالية ولا يعرف مصادر تمويل مشاريعهم.

وفي العالم العربي، عندما ظهر هؤلاء في مصر، عملت حكومة الرئيس حسني مبارك على سجن بعض الأزهريين الذين  تبنوا هذا الفكر واتخذت سلسلة من الإجراءات بالتعاون مع مشيخة الأزهر لمحاربة هذا الفكر. وقد سألت أحد الإخوة وهو علماني: لماذا تدافع حكومة لا تطبق الشريعة الإسلامية بكل هذا الاستنفار عن الحديث الشريف؟ بل ويقف إلى جوارها أغلب مثقفي وعلمانيي مصر؟!

فأجاب: نحن ندافع عن الهوية

ضرب المجتمعات في معتقداتهم الراسخة

ضرب المجتمعات في القدوات

ضرب المجتمعات في الثوابت

لن ينتج غير مجتمع مهزوز ضعيف الأمر الذي يمهد لذوبانه وتلاشيه. ولن يأتي من مهزوزين في هويتهم وذواتهم ومعتقداتهم بناء.

وعمومًا فلقد اتخذ القرآنيون نهجا ليشككوا في الحديث يبدأ بأن يشككوا في الرواة ويطعنوا فيهم ويقدحوا في نزاهتهم ليصلوا بالطبع إلى إنكار الحديث الشريف وتكذيبه. وبعد أن ينكروا الحديث سيفتحون بابا للاجتهاد في ماهية الصلاة، ولذا سيظهر آلاف من هيئات الصلاة وتواقيتها في العالم الإسلامي وسيصبح لكل فريق صلاته ورمضانه يختاره وفق رغبته من شهور السنة. وفي تلك الأمة التي كانت تريد توحيد المطالع والأهلة حتى لا يفرق بينها يوم يتقدم أو يتأخر ستغدو هناك صلوات ورمضانات، ولن يبقى من الأمة إلا اسمها وليس هذا فحسب بل الذين يمارسون المعاصي سرا سيجهرون بها فهي لدى القرآني لم تعد معصية طالما لم تذكر في القرآن. وبالتالي تزداد الأمة تمزقا وتشتتا ورذيلة فيسهل انهيارها.

وقد سألت أحد القرآنيين فقلت له:

إذا ظهر منكم من يُنكر القرآن ويكذب كونه من الله بحجة أنه قد كتبه رواة الحديث وراوه عن الله محمد صلى  الله عليه وسلم الذي كذبتم أنتم بحديثه. فقال: هذا تطور طبيعي للجماعة فهي جماعة حيَّة.

يعني هم- قبحهم الله- منذ البداية يعرفون أن طريقهم ومذهبهم سيقودهم للتكذيب بالقرآن الكريم.

ثم بالله عليكم ماذا بقي من الإسلام؟ وماذا بقي من أمة محمد عليه الصلاة والسلام؟ بعد الكفر بالحديث والسير على طريق الكفر بالقرآن.

والله إنَّ كل من ينتمي لهذه الأمة الإسلامية حتى لو كان عاصيا ومرتكبا للكبائر لكن في قلبه ذرة من إيمان أو ذرة من كرامة أو بصيص أمل في نهضة الأمة فلابد أن تجده محاربا منافحا ومخاصما لجماعة القرآنيين وفكرهم الهادم للأمة.