مرحلة التوحش (1-2)

منى سالم جعبوب

لم تكن أحداث 11 سبتمبر مجرد عملية إرهابية، بل كانت إحدى ارهاصات الصراع الفكري بين التنظيمات الإسلامية وأمريكا، وقد كان النقطة الفارقة التي غيرت السياسة والفكر العالميين؛ حيث حملت إلى السطح خطورة التنظيمات الإسلامية المسلحة والشباب العربي الساخط على الحكومات العربية والموجود في المنافي خارج أوطانهم، كما أظهرت الصراع الخفي وسلطت عليه الأضواء.

ونجاح أحد التنظيمات الإسلامية المسلحة في تدمير أهداف في العمق الأمريكي بعقول وأيدي عربية خارجة عن القانون- وفق رأي دولهم- هي الصدمة التي تفوق ألم الخسائر.

لكن.. كيف استطاعوا ذلك؟

المذهل أن المشاركين في التخطيط جاءوا من جميع الأقطار العربية، وأظهروا نجاحا باهرا في تنفيذ مخططاتهم، ومن هنا بدأت حرب فكرية بين أمريكا والتنظيمات الإسلامية المسلحة، والتي كانت أبرزها تنظيم القاعدة الذي كان يقوده السعودي أسامة بن لادن ونائبه المصري أيمن الظواهري.

وبعد ذلك مباشرة، بدأ تنظيم القاعدة يطرح فكرا تنظيريا يتوقع من خلاله قيام ثورات شعبية عارمة في العالم العربي، وكان من أبرز مفكري القاعدة الذي نظر لمرحلة الثورة والفوضى والتي أسماها بـ"مرحلة التوحش" أبوبكر ناجي، واصفا إياها بأنها الأخطر على الأمة؛ حيث ستشهد وحشية دموية غير مسبوقة، وجاء الرد الأمريكي على تنظيرات القاعدة ومرحلة التوحش بمشروع الفوضى الخلاقة الذي هو أيضا يقوم على أساس حدوث الثورات الشعبية ووقوع الفوضى من خلال انهيار الأنظمة، وهنا سيكون لدى الحكومة الأمريكية مشروعا للمنطقة عرفته بأنه "الشرق الأوسط الجديد" وفيه سيُنقل الوطن العربي إلى الديمقراطية.

كل ذلك الصراع الفكري بين التنظيمات الإسلامية وأمريكا منذ 2001 ووصل إلى أوجه في 2007، كان يحدث والعالم العربي في حالة سبات عميق لدرجة أن كثيرا من رجال السياسة في الحكومات العربية يسخرون من هذه الفرضية المحتملة. حتى جاء عام 2010، وقبل أن ينقضي شهدت تونس موجة عارمة من الاحتجاجات الشعبية- بعد أن أحرق الشاب التونسي البوعزيزي نفسه- أدت إلى إسقاط نظام الرئيس زين العابدين بن علي برمته وهروبه إلى السعودية. وتلى ذلك احتجاجات عارمة أيضا في مصر واندلاع ثورة شعبية سلمية في 25 يناير 2011 انتهت في 11 فبراير بسقوط الرئيس المصري حسني مبارك، ثم ثورة شعبية في ليبيا شهدت تدخلا دوليا وأدت لإسقاط الرئيس الليبي معمر القذافي، إضافة إلى حرب أهلية اندلعت في سوريا ولا تزال قائمة، ثم احتجاجات شعبية في اليمن أسقطت الرئيس اليمني علي عبدالله صالح.

هنا بدت بعض الأنظمة العربية وكأنها أحجار دومينوز تتساقط الواحدة تلو الأخرى، إلا أن حالة الثورة هذه وعلى مدى سبع سنوات لم تتوقف بعد ولا زالت دامية ووحشية خاصة في سوريا، كما إنها لم تحقق تغييرا جوهريا في مصر، وانقلب الجيش على الديمقراطية، وعاد الوضع لسابق عهده، فتغيرت الوجوه ولم يتغير النظام، وزاد الاحتقان الشعبي، كما دخل اليمن في حرب أهلية وإقليمية لم تنتهي إلى الآن. وكذلك ليبيا وتونس التي هي أكثر أمانا في دول الربيع العربي، لكناه لم تصل بعد للاستقرار السياسي الذي يمكنها من بدء التنمية، أي أن الوطن العربي لا يزال في مرحلة من الفوضى السياسية الدامية.