علي بن بدر البوسعيدي
زُرتُ ولاية الرستاق، مُؤخَّرا؛ حيث شاركت في الجولة التعريفية لجائزة الرؤية لمبادرات الشباب، وقد أتاحتْ هذه الزيارة لي أنْ أسافر عبر الزمن إلى هذه المدينة العريقة، فكلُّ رُكن في ولاية الرستاق يعكس جانبا أصيلا من تاريخ هذه المدينة الموغِل في القدم؛ فالقلاع والحصون والقبور والأسواق التراثية، كلها شواهد حضارية تترجم مراحل تاريخية مهمة.
فعندما أنظرُ إلى القلاع والحصون المرتفعة أتخيَّل مشاهد أجدادنا العظام وهم يدافعون عن المدينة من الغزاة الذين سعوا لاحتلالها، كما أنها تعكس عبقرية الأجداد وتميزهم في الفنون المعمارية في العصور الوسطى؛ مما يُؤكد مستوى التقدم الحضاري الذي بلغه السلف الصالح قبلنا، وضحوا بأنفسهم وأموالهم من أجل رفعة الوطن واستقلاليته.
أذكُر على سبيل المثال: قلعة الرستاق وحصن الحزم؛ فالقلعة التي شُيدت على أيدي رجال عظام قبل نحو 400 سنة قبل الإسلام، وتنبع أهميتها من عوامل عدة؛ منها: الموقع الجغرافي الفريد، ومساحتها الكبيرة؛ تعدُّ ثاني أكبر قلعة في السلطنة، بينما أكبر قلعة هي قلعة بهلاء. ومما يُثير الدهشة أن التصميم المعماري الفريد والمميز لقلعة الرستاق تمَّ وفق أعلى معايير البناء في ذلك الوقت من الزمان، وهي دلالة أخرى على أننا نحن العمانيين كنا روادا في العديد من مجالات الحياة، واستطعنا أن نواكب التطور الحاصل من حولنا، وأخذنا بأسباب النهضة وقتذاك. لذلك؛ فمسيرة النهضة المباركة التي يقودها باقتدار وحكمة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- تستمدُّ قوتها من تاريخنا العريق، وتستند في أساسها إلى ما تمتع به الأجداد من إرادة صلبة وعزيمة قوية على تحقيق المجد والعلا.
وهناك أيضًا في ولاية الرستاق حصن الحزم، الذي يعود تاريخه للعام 1714 ميلادية، وهو حصن فريد من نوعه أيضا يُبرز جماليات الفن المعماري الإسلامي الممزوج بالعبقرية العمانية، ولا أنسى أيضا حصن الحوقين وما يضمه من 22 برجا. وهذه المواقع التاريخية لم تكن فقط منشآت معمارية تستخدم في الدفاع وأوقات الحرب، لكنها أيضا كانت مدارس مفتوحة خرجت العديد من العلماء الأجلاء والقضاة والمعلمين.
كما أنَّ الولاية تشتهر بوجود العديد من الأضرحة والمقابر لعدد من الأئمة والعلماء والصالحين، والتي أرى أنها تحتاج إلى اهتمام من قبل الجهات المعنية، وأعتبرها شواهد تاريخية وليست مجرد مقابر. ولعل أشهر القبور في هذه الولاية: قبر مؤسس دول البوسعيد الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي.
وللطبيعة الساحرة في ولاية الرستاق نصيبٌ وافر؛ حيث تضمُّ المدينة عين الكسفة المشهورة بمياهها الكبريتية الساخنة، والتي تساعد في الشفاء من بعض الأمراض الجلدية. وهناك أيضا أفلاج مشهورة؛ مثل: فلج الميسر وفلج الصايغي وفلج أبو ثعلب، وهي أنهار طبيعية تروي مياهها البساتين والمزروعات لتعود بالنفع على السكان.
وهناك جانب آخر، أسعدني كثيرا في هذه الجولة التعريفية؛ حيث كانت المحطة التعريفية بجائزة الرؤية لمبادرات الشباب فرصة لي ولجميع المشاركين لكي يتعرفوا على نماذج شبابية رائعة؛ منها: البطلة نظيرة الحارثية التي استطاعت أن تتسلق أعلى قمة جبلية في العالم وهي قمة إيفرست، ونجحت فيما لم يستطع آخرون القيام به. الحارثية هي نموذج رائع لما يجب أن تكون عليه الفتاة العمانية والشباب بصفة عامة، فهي تتحلى بالكثير من الصفات الإيجابية، فهي صبورة تحملت قسوة التدريبات على التسلق واللياقة البدنية، وتتحلى بعزيمة قوية وإرادة صلبة، جعلت منها بطلة تنافس الرجال الأشداء. لكن أكثر ما لفت انتباهي في هذه البطلة الرائعة قدرتها على الحلم، فهي لا تتخيل الحياة بدون أحلام، ليس ذلك فقط، بل إنها تسعى لتحقيقها وتنجح في ذلك بجدارة. فما واجهته الحارثية من مخاطر وتحديات في رحلة صعودها لأعلى الجبل وصولا إلى قمة إيفرست، يجعل منها بطلة فريدة من نوعها، وتقف في صفوف من حققوا ما يعتبره البعض مستحيلا، لتلهم بذلك إخوانها وأخواتها من أبناء مجتمعها، وتكون لهم القدوة والمثال.
يبقى أن أقول إنَّ الجولات التي نقوم بها في أنحاء الوطن الغالي، تكشف لنا المزيد من مكنونات شعبنا العظيم، وتقوي إيماننا بأن مستقبل هذا الوطن مشرق بفضل أبنائه البررة وسواعدهم الفتية، لكن يبقى على الجهات المعنية أن توفر لهم سبل النجاح وتمهد لهم طريق النهوض والتقدم.