المعتصم البوسعيدي
تقُول الحكمة: "ضَع نقطة سوداء في ورقة بيضاء، ثم اسأل الناس: ماذا ترون؟ سيقولون: نرى نقطة سوداء!! فتتعجَّب: لماذا لم يروا كل المساحة البيضاء الأكبر؟ لتُدرِك أنَّ أكثرَ الناس للأسف لا يرون إلا الأخطاء!!
المشهد ليس بالصُّورة التي تفسرها الحكمة على المطلق؛ فهناك بقعة ضوء في البحث عن الأخطاء؛ لطالما كانت الغاية سليمة ونقية، لكنَّ العالم المضطرب الذي نعيشه مشوَّش، وينطلق من "أيديولوجيات" باتت واضحة للجميع؛ فحتَّى الرياضة لم تسلم من بياض روحها؛ فقد عمِدَ كثيرون إلى تسليط مجهرهم على النقاط السوداء لتضخيمها، على أنها الأساس الذي يُبنى عليه، بل ووضع نقاط لا وجود لها في بعض الأحيان.
سنُحاول تقريب المشهد من خلال ما يحدُث في قطر؛ حيث تستضيف الدوحة بجدارة بطولة العالم لألعاب القوى في نسختها السابعة عشرة؛ فمن نظر للورقة البيضاء تحدَّث عن إقامة البطولة لأول مرة في الشرق الأوسط، وهي البطولة الثالثة في جدول أهم البطولات العالمية، بعد مونديال الكرة والألعاب الأولمبية.
مَن نظر للورقة البيضاء، شاهدَ القدرة الهائلة للتنظيم القطري، والتقنية العالية في تكييف الملاعب، والتعامل مع تحدي الحرارة بإقامتها ليلاً.
مَن نظر للورقة البيضاء، شاهد الرُّوح العالية التي تحلَّه بها الرياضيون، ومشهد العدَّاء برايما سونكار وهو يسند العدَّاء أروبا بازبي حتى يُكمل السباق.
مَن نظر للورقة البيضاء، رأى قرارَ إرجاع ميدالية ذهبية لصاحبتها بعد ثماني سنوات؛ حين قرر الاتحاد الدولي سحب الميدالية الذهبية من البطلة الروسية يوليا زاريبوفا الحاصلة عليها في بطولة دايغو الكورية الجنوبية في العام 2011، وتسليمها في بطولة قطر لوصيفتها البطلة التونسية حبيبة لغريبي؛ لأسباب متعلقة بالمنشطات في قضية إيقاف الاتحاد الروسي؛ الأمر الذي يُعد انتصاراً للعدالة حتى لو جاء بعد حين.
في الجهة المقابلة، سنجد من ينظُر للنقطة السوداء من أجل تكبيرها ومحاولة الانتقاص من حجم الورقة البيضاء لهذه البطولة المهمة؛ حيث النظر لقلة الجماهير من زاوية الإخفاق والفشل وليس التحدي الذي يجب الوقوف عنده، ثم النظر للطقس كمشكلة كبيرة دون الالتفات للحلول الرائعة التي قام بها المنظمون، علاوة على محاولة النيل من سُمعة الملفِّ القطري الفائز بحق الاستضافة، رغم أن البطولة أصبحت واقعاً وتجري أحداثها بكل أريحية وهي في طريقها للنهاية.
أعتقد أنَّنا يجب أن نُنهي هذا المسار الإعلامي الضيِّق الذي لا يخدم الشعوب قبل أن يكون عاملَ هدم للرياضة وإنجاز البطولات، يجب أن نلتفت لدعم المنجز الحضاري لكل من له حق في ذلك؛ لأن ذلك ما سيبقى عندما تتساقط كل "ورقات التوت"، وفي ظل الحديث عن الورقة البيضاء والنقطة السوداء، فإن المعادلة بدت معاكسة وإيجابية في مشهدٍ كان بطله الإنسان الرائع اللاعب محمد الشلهوب، وابتسامته المدهشة مع المعجبين من الجماهير القطرية بعد نهاية مباراة ذهاب نصف نهائي دوري أبطال آسيا، تلك النقطة البيضاء التي أشاحتْ سواد الورقة وعتمتها؛ لأنَّ الخير فطرة لا يمكن طمسها، والمعادن النفيسة تلمع حتى وسط الغبار الداكن.
سأكتفي في الشأن المحلي العُماني بالحديث عن المعادلة المعكوسة الواضحة لدينا؛ ففي بحثنا عن ألعاب "قوانا" في البطولة العالمية لألعاب القوى المقامة بقطر، فنحن نبحث -وللأسف الشديد- عن النقطة البيضاء في الصفحة السوداء رياضيًّا، ويبدو أننا حتى اللحظة -ولزمن ليس بقريب- لم ولن نجدها.