عُمان والإمارات.. وحدة التاريخ والمصير

مسعود الحمداني

المُشتَرَكُ بين سلطنة عُمان ودولة الإمارات الكثير والكثير من الثوابت التي لا يُزعزها زمن، ولا ينتقص منها أحد، هي وحدة متكاملة أزلية بين شعبٍ واحدٍ لا شعبين، وأرضٍ واحدةٍ لا أرضين، ومصير مشترك واحد، وبينهما من التداخل والترابط ما ليس يفهمه غير أبناء الدولتين، ولا يعرفه غير "الأصيلين" من أبنائهما، حين كان الآباء والأجداد منهما يلتقون ويأكلون من مطعم واحد، ويشربون من معين صافٍ واحد.

لا أتَّحدث هنا عن الثوابت السياسية، ولا التاريخية، ولا الجغرافية، فهذا أمر مفروغ منه، فالدولتان كانتا على الدوام مثالا نموذجيا للتعايش المشترك، والمصاهرة التي تضرب بأطنابها في الجذور، والقبائل التي تمتد بين الأرض والأرض، والكلأ الذي كانت ترعى فيه الإبل، هذه الثوابت الإنسانية تجعل من عُمان والإمارات فوق مستوى الخلافات التي يحاول البعض زرع فتنتها، ودس سمومهم فيها، ويسعون لتشويه الحقائق، وتزييف الواقع، واصطناع بطولات وهمية كلامية لا تسمن، ولا تغني من حديث.

لقد كانت العلاقة الشخصية بين حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -أطال الله عمره- وصاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -طيَّب الله ثراه- أكبر من مجرد علاقة سياسية، لقد كانت علاقة أخوية أكثر مما يتصوَّرها البعض، وحين جاء الاتحاد لم يلقَ بعض العمانيين ضيرا من "التجنّس" بجنسية الدولة الجديدة، على اعتبار أنهم امتداد لوطن واحد، وأن عُمان على مرمى حجر منهم، ولن يحسّوا بغربةٍ أو اغتراب في بلد أكرم وفادتهم، كما أكرموا وفادته ذات تاريخ، غير أن بعض هؤلاء "المجنّسين" خلفوا خلْفا أضاعوا بوصلة المعرفة، ونسوا وصية الأجداد، وتنكروا لأصلهم، وأصبح بعضهم -للأسف- أداة تفريق لا توحيد، ولو كان الشيخ زايد -رحمه الله- حيّا لما تردد في لجمهم، ومحاسبتهم على قلة أدبهم التي يُظهرونها كلما سنحت لهم فرصة لإثبات "وطنيتهم" المزيفة.

فهؤلاء الذين يطلّون برؤوسهم من جحور الظلام، ويلقون الكلام جزافا ذات اليمين وذات الشمال، يحاولون دق إسفينٍ بين أبناء الدولتين ما هم إلا جهلة يلقون بأحجارهم في غياهب الجبّ، ويشحذون سيوفا من ورق محاولين أن يفتتوا تلك اللحمة الأزلية بين الدولتين، ويأتي في الجانب المقابل الردود النارية من "مغردينا" التي تحاول أن تذكي روح الفتنة، وتنطلق من ماضٍ سياسي ذهب إلى غير رجعة، وكأن الفريقين يحاولان أن ينتقصا من قدر بعضيهما، وتحاول كل فرقة أن تكبر من خلال تقزيم الآخر، وهم لا يدركون أن عُمان والإمارات أكبر من هذه الأحاديث وهذه التغريدات البغيضة، وتلك الدسائس التي تدخل فيها أطراف خارجية أخرى لتذكي نار الفتنة، وتؤجج سعيرها.

على العقلاء من الساسة في البلدين الشقيقين (بالمعنى الحرفي للكلمة) أن يلجموا هذه الأفواه النتنة التي تسعى لتخريب الوعي الاجتماعي بين الشعبين، وأن يوقفوا هذه الحملات الكلامية التي لا تخدم أحدا على المدى القريب ولا البعيد، والتي لا تلقى ردعا قانونيا من قبل المسؤولين في كلا البلدين، لذلك تكبر الدوائر وتكبر، ويجد الدخلاء والغرباء من خارج حدود البلدين أرضا خصبة ليثيروا النعرات، ويحركوا نصال الضغينة، ويزيدوا الطين بلّة، ويؤججوا نار الخلاف، ويوسّعوا دائرة الهجوم، ويرددوا البذاءات، ويلقوا بسهام السباب والشتم بين الجانبين، حتى لا يكاد أحد الفريقين يعلم من أين يأتيه السهم.

لكل دولة خصوصيتها، وسياساتها، وساستها، ورجالاتها الذين هم أعلم بمصالح دولتهم وشعبهم؛ لذا يجب أن نُؤمن ونحترم الاختلافات السياسية فهذا شأنٌ داخليٌّ لكل دولة، دون تدخُّلٍ في شؤون الدول الأخرى، ولكن علينا -في المقابل- أن لا نخلط الحابل بالنابل، وأنْ لا نجعل من أبواق الفتنة النتنة محرِّكا يوجِّه مشاعر الناس السلبية، وأن نبتعد -نحن الكتبة والمغردين العمانيين- عن الزجِّ بالماضي في كل صغيرة وكبيرة، والنظر بفوقية واستعلاء ومِنّةٍ؛ فالماضي جزءٌ من التاريخ، وهو لا يعود، كما أنَّ على الطرف الآخر (الإماراتيين) أن يحترمُوا الخصوصية العُمانية؛ المتمثلة في ثوابت السياسة، وأن يكونوا أكثر واقعية في تغريداتهم وكتاباتهم؛ ففي النهاية لا يصح إلا الصحيح، وعلى أصحاب القرار في السلطنة والإمارات أن يُلجِموا هذه الأبواق النشاز، ويضربوا عليها بيد من حديد -من خلال سنِّ أو تفعيل القوانين والتشريعات المجرِّمة لهذه الكتابات والأفعال المسيئة للعلاقات بين الأشقاء- حِفَاظا على هذه الوشائج الأزلية العظيمة، ولا تنسوا أن "النار من مستصغر الشرر".. كفى الله البلدين الشقيقين نار الفتنة وشررها وأشرارها.