خطاب الكراهية

خلفان الطوقي

مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وضخامة المعلومات التي نتداولها أو التي تصلنا دون تدخُّل منا، ومع ارتباطنا الوثيق بأجهزة هواتفنا؛ فقد أصبحت السيطرة على المعلومات أمرا في غاية الصعوبة إن لم تكن مُستحيلة، خاصَّة المعلومات التي تصلك دون تدخلك أو رغبتك. ومع القفزات النوعية وتطورها المتسارع، كان لابد أن تُصاحبها توعية مجتمعية تتناسب طرديًّا مع هذه الطفرة، وعدم الاكتفاء بالقوانين فقط؛ فبالرغم من القوانين والتشريعات، إلا أنَّ هناك "حالات" من وجود ما يُسمَّى "خطاب الكراهية".

فإذا أردنا تعريف هذا المصطلح ببساطة، فهو كما أراه إطلاق كلمات أو جمل ضد فئة من الناس بقصد التحريض أو التصغير أو الاستهزاء أو التشكيك أو إثارة العدوانية ضدهم، أو أي مشاعر سلبية، وعادة ما يكُون هذا الخطاب فئة "الأقلية" من الناس، وتكُون في سياقات مختلفة؛ سواء في المجتمع أو البيئة العملية.

ويظهر خطاب الكراهية في المجتمع في مواقف كثيرة تتكرَّر، كاستياء عدد من الموظفين ضد رئيسهم في العمل بسبب تفضيله، أو ترقيته لأحد من موظفيه دون وجه حق، أو إحساس عدد من أفراد المجتمع المحلي بأن أحدًا أو جماعة من الوافدين أخذوا ما لا يحق لهم، أو أنهم يعيشون حياة مُرفَّهة أكثر من المواطنين الأصليين، هذه أمثلة سريعة لتوضِيح الصُّورة أمام القاري، لكن الحالات أو الأمثلة كثيرة، ولكن تبقى أهدافها واحدة، وهو التشكيك وتشويه صورة شخص أو أفراد بغض النظر عن قبيلته أو جنسه أو عِرقه أو لونه أو جنسيته أو ديانته أو مُعتقداته، وعادة ما تستخدم كأداة ضغط لجذب الأنظار حول قضية معينة أو سلوك معين.

فبالرَّغم من نبذ "خطاب الكراهية" دينيًّا وقانونيًّا وإنسانيًّا وعُرفًا ومُجتمعيًّا، إلا أنَّ الحالات تَظْهر بين فترة وأخرى، ولكن يُمكننا أن نتخلَّص منها نهائيًّا؛ فنحنُ لسنا هنا في المدينة الفاضلة ولن نكون كذلك، إلا أنَّ ازدياد هذه الحالات وطغيانها وتكرارها بشكل لافت، فالجميع يتفق أنَّ عَوَاقب ذلك وخيمة؛ مما يُؤثِّر على سُمعة الشخصية العمانية المتزنة والمعروف عنها العقلانية والذوق في التعامل، وبكل تأكيد سيُؤثر ذلك على سُمعة السلطنة، خاصَّة من المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان وما شابهها وما أكثرها، كما سيؤثر ذلك على العلاقات الإنسانية في المجتمع الواحد، وعلى العَلاقات الاقتصادية أيضا خاصَّة إذا ما أريد للسلطنة أن تكون منطقة جاذبة للاستثمار الخارجي، ومحافظة على لقبها التاريخي أنها آمنة، وأنها صديقة للجميع في سياساتها الدولية التي تمثلها الحكومة، ونموذج مشهود له عالميًّا على التعايش بين المواطنين فيما بينهم، وبين المواطنين، ومع يعيش بينهم من الوافدين أو الزوار.

وتفاديًا لازدياد خطاب الكراهية وتكاثُر حالاته، هنا يكون علينا التوقف والتأمل، واعتبار ذلك مؤشرًا خطيرًا لابد من اتخاذ خطوات عملية تمثل العمل على أكثر من مسار؛ الأول: إنشاء وحدة علمية وبحثية هدفها رصد واقترح الحلول لهذه الحالات من خلال فريق علمي يتكون من علماء النفس والاجتماع. أما المسار الثاني -فلا يقل أهمية- وهو تعاون عدد من الجهات الحكومية؛ مثل: وزارة التربية والتعليم، والجامعات والكليات العمانية، ووزارة الإعلام، والهيئة العامة للإذاعة والتليفزيون، ووزارة الشؤون القانونية، والادعاء العام، ووزارة الخارجية، وشرطة عمان السلطانية، ولجنة حقوق الإنسان، واللجنة الوطنية للشباب؛ للتكامل والتنسيق فيما بينهم، وإطلاق حملة توعوية موسعة عصرية وجذابة ومُقنعة، تستهدف شبابنا؛ هدفها التقليل من استخدام هذا الخطاب؛ لما فيه من ضرر فردي ومجتمعي وعلى مستوى البلد ككل، علينا اتباع الخطوات العملية هذه مبكرا، وهذا هو وقتها المثالي، هذا إذا ما أردنا أن يكون الفرد العماني قدوة ونموذجا مشرفا على المستوى الفردي أو على مستوى الدولة؛ فالشخصية العمانية وعُمان كبلد منذ نشأتها هي مثال يُحتذى، ولا يليق بالفرد العماني أو الدولة العُمانية أن تكون كذلك، والاثنان يستحقان أن يكونا نموذجا مثاليا على مستوى العالم ويشار إليهما بالبنان.