حكايات متفرقة

 

المعتصم البوسعيدي

الحكاية.. قصَّة تُروى، وتتناقلها الألسن في ذات الفترة، أو بين فترات وأزمنة مختلفة، لها غايات كثيرة؛ لعلَّ أهمها: أخذ الدروس والعِبر. وفي ضوء ما نشاهده ونعيشه من أحداث رياضية، يُمكن أن نروي منها حكايات لا حصر لها، منها ما يُعزِز الطاقات ويستفزها لتقديمِ ما هو أفضل، ومنها ما يُبين العيوب ويدفعنا لسدِّها وتلافي الوقوع فيها لاحقا، ومنها ما يصبح مضربَ مثل وقصة عابرة عبر الزمن، ومنها تخيلات ومحاولة رسم واقع مختلف مُغلف بـ"يا ليت" التمني.

حكايتنا الأولى ما أن تنتهي حتى تعاود الظهور؛ حيث بدأت أنديتنا في ممارسة الخروج المُبكر -المُعتاد- من البطولات الخارجية؛ فالنصر لوح براية الاستسلام على حدود الجزيرة، وظفار خسر تذكرة الذهاب رغم الرحلة الجميلة، هناك وسط حماس "الشناوة" في "المولودية الشعبية الجزائرية" الناشئة من مقهى "ياحي". خسارة ننتظر تعويضها بخريف راحل قد يعاود الظهور، أو نستمر بعزف المزمار الحزين، والذئب يلتهم ثروة الأغنام.

لقد حدَّثنا الراوي عن حكاية جديدة لموسمنا الكروي الذي يبدو أنَّ الجماهير ستكون عنوانه الأبرز إذا ما استثمرنا ذلك؛ حيث تحليق صقر السيب، وبروز أنياب التماسيح، ورغبة عنابي الجبل الحالمة، وترقب الملك الباحث عن عرشه، وزعامة تستحق مدرج يوازي رقمه، وفخر باطنة لا يزال مكبوتا، ونداء مارد يريد أن يُرى ويُسمع له صَوْت، وموج أزرق استعاد الشراع، ونهضة واحة تُجابه الصراع، ونصر ملكي غير مستقر، وسفينة مرباط قد لا تستمر، وبناء سورٍ جماهيري يستمد روحه من سور المدينة الأسطوري القديم، وبحث دائم عن عودة جماهير العاصمة من الوادي الكبير، وانتظار عودة الضوء الشارد من ليالي الخوير.

في زاوية قصية، برزت حكايتنا -المحببة- الشقية؛ فقد تساقطت بعد جولتين أوراق الأجهزة الفنية؛ فمدرب نادي بهلاء لم يعجب الإدارة، لأنه لا يقرأ في الشوط الثاني الجمل والعبارة، أم لأنه لم يقرأ عجائب دورينا وأخباره؛ فالتنافس فيه ليس مقصوراً على جمع النقاط فقط، بل تنافس على كم مدرب سيسقط وسقط. وبعد أن فُتحت الأبواب، سننتظر قطف الثمار والأعناب، ولا يُستثنى من القطف الغريب ولا الأحباب.

تتوه حكاياتنا الرياضية في طريقها المظلم، تبحث عن ذاك السعيد الذي يروي قصة النجاح العظيم، فتشرق من هناك بقعة ضوء تبدو بعيدة، يراها المبصرون بعيدة، ويراها المتبصرون قريبة، الجسد لا يشترط أن يكون سليماً ليكون العقل سليم، فهنا تسقط الحكمة بحكمة أكبر، والحصاد برهان الحقيقة؛ حيث نجوم "البارالمبية" سطروا ويسطرون أمجادهم في كل المحافل المحلية والقارية والعالمية، يرفرف العلم بذهبهم لا بالحضور، ويكتسي صدرهم بالمعدنِ النفيس لا بتسويف الوصول، هنا الأبطال أقوالهم أفعال، وحكايتهم إلهام القيم والعمل. فتحية أيها المشرقون رغم بواعث الألم، وتحية أيها الممطرون والجفاف يضرب الديم، وسلام على أرواحكم المحلقة بالبطولات والهِمم.