مدرين المكتومية
من المُؤسف أن نظل نكتب عن اليمن دون أن نرى بصيص أمل يلوح في الأفق ليُبشرنا بأنَّ ثمة سلام سينعم به أبناء هذا البلد الشقيق، فأي مأساة تلك التي بلغها اليمنيون؟ وأي مُستنقع حرب قذرة يلقي بمائه العكر في الحياة العامة لليمن؟ وكم يجب أن ينتظر اليمنيون من سنوات كي ينعموا بلقمة عيش كريمة وكرامة إنسانية؟ فما هذا الذي يحدث في اليمن؟!
أسئلة عديدة أصرخ بها لعل الضمير الإنساني الإقليمي والدولي يستفيق لما يئن منه اليمن من ويلات ومجاعات وتقتيل وفوضى سياسية وانهيار اقتصادي وتدهور معيشي غير مسبوق، أصرخ بكلماتي سلاحي الذي أحارب به الطغيان والظلم، فكل مرة أتابع فيها شاشات التلفزيون وأرى مشاهد الدمار والتخريب المتعمد من قبل جميع الأطراف، يعتصرني الألم لمشاهد الأطفال ذوي الأجسام الهزيلة بسبب النقص الحاد في الطعام والشراب، يقشعر بدني من صور الهدم والتدمير للمباني والطرق، وتنتابني دهشة لمظاهر فرحة مسلحين بإحراز "تقدم" لهم في بقعة ما، غير مُدركين أنهم يقتلون بني وطنهم، ويمزقون أرضهم.. والمستفيد آخرون يتقاتلون بالوكالة في حروب عبثية لا طائل منها.
صراعات مختلفة، دفعت حلفاء الأمس ليكونوا أعداء اليوم، وما يُدرينا لعل غدا يصبح الجميع أعداء لبعضهم البعض، حتى يكتمل المشهد الهزلي في كوميديا سوداء، لا تثير الضحك بقدر ما تفجر في نفوس المشاهدين أنهارا من الدموع.
لا أجدُني مع طرف ضد آخر، بل إني أؤمن- كإنسانة وصحفية- بحق الإنسان في العيش الكريم والحياة الآمنة المستقرة، فقد خلقنا الله على هذه الأرض لكي نعمرها ونبنيها، لا لنتنازع ونتقاتل، لهذا على جميع الأطياف اليمنية أن تجتمع في صف واحد تحت مظلة وطنية جامعة، تنهي هذه الحرب الضروس، فلا أحد سيخرج منها منتصرا، بل الجميع خاسر.
من المُهم جداً الحفاظ على وحدة اليمن وعدم تقسيمها والعودة لعقود إلى الوراء، لأن في ذلك تراجع لقوة اليمن، ونحن نعلم أن هناك بعض القوى الإقليمية لا تريد لهذا البلد الخير ولا تريد له المنعة والقوة والسلام. فالفوضى الخلاقة التي بشرت بها- وبئس البشرى- وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس لا تزال تتحقق في اليمن التي تعد من أفقر دول العالم إن لم تكن الأفقر.
على الجميع في اليمن أن يبحث عن السلام المفقود، فأبناء اليمن يستغيثون من الفقر المدقع والمجاعة وتفشي الأمراض، ينظر وراءه إلى حضارة أجداده الضاربة في عمق التاريخ، فيرثي حاله.. اليمن الذي لا يكاد شاعر إلا وتغنى به ولا مؤرخ إلا عرج على حضارته ونهضته في سابق العصور، فما كان عليه اليمن وما آلت إليه أوضاعه، يجعلنا نقف صامتين في حيرة من أمرنا، نتساءل: ماذا حل بنا لنرضى أن يبكي اليمن ونحن لا نحرك ساكناً لتجفيف دموعه وإسعاده؟!
إنني أدعو أصحاب الضمائر الحرة والنفوس الذكية للذود عن اليمن والدفاع عن وحدة أراضيه، وأن تتكاتف الجهود الإقليمية والدولية كي يعم السلام في اليمن، والحيلولة دون تمزقه إلى دويلات صغيرة، تُهدد الأمن الإقليمي وربما حركة الملاحة العالمية، نظراً لموقع اليمن على أحد أهم المضائق الحيوية في العالم (مضيق باب المندب).. فعلى مختلف الأطراف النظر لمصلحة الشعب اليمني ووحدة أراضيه ومنع انزلاقه نحو مزيد من المعارك، فاليمن لم يعد يتحمَّل أكثر مما يعانيه.