المسؤولية.. بين المقرر والمنفذ

 

 

فاطمة الحارثي

ينهمكُ القائمون على وضع ورسم مستقبل الوطن بكل جدٍّ واجتهاد، والبعض -المخلص والواثق- منهم يحاول عدم نسج التطبيع في الخطط والإستراتيجيات ليقينهم بأنَّه لا يعرف شعاب الوطن إلا أهله، ولا أسواقه ولا احتياجاته، رافضًا سياسة البعض الآخر -الغالب لدينا- المُفضِّل للفكر المستورد المستعِين بدور الخبرة الأجنبية، وهم كما أسلفت في مقال سابق لا ناقة لهم ولا جمل، في سوق واستثمارات المنطقة، وحجم الاستهلاك وثقافة المستهلك، وإستراتيجيات الربط بين المنطقة وما يجاورها من أسواق.

كما يُقال، الحديث سهل، وفي المقابل، عند الفعل والتنفيذ فالأمر مختلف، و"الحديث" أقرب ما يُماثله الخطط والقوانين والإستراتيجيات والقواعد وآليات التطبيق -أي علم على ورق- إذ إنَّ الخبرة والبراعة هي التي تضع الخطط القابلة للتطبيق وتقريب النتائج المطلوبة من خلال تصور الفعل والأداء العملي وربطه بالنتائج، ونجد أيضا أنَّ الاختلاف والتباين بين فكر المخطِّط وعقلية وإمكانيات المنفِّذ هو مناخ من الفجوات الكبيرة أحيانا والعميقة في حالات أخرى؛ فواضع الخطط والإستراتيجيات يمتلكُ القدرة والحكمة لتقدير المعايير وتصور القادم من الأمر أي النتائج وما ستؤول إليه الأمور من استفادة متقنة من خبرة الماضي والتعلم من تجارب الآخرين من حوله، ورؤية خارطة الطريق إلى المستقبل، بينما المنفذ يُواجه عراقيل الواقع والظروف المختلفة من الأنفس والمتناقضات غير الظاهرة على خارطة طريق العمل المحترف.

فإذا قامتْ سُلطة التخطيط بفصل نفسها عن سلطة التنفيذ بأن تُجِيد الأمر ومتابعة الزمن على رأس المنفذ فاصل نفسه عن العقبات والصعوبات غير مُكترث إلا بما يُريده قد يُسقط المنفذ في هذه الحالة في غياهب الفساد أو الانحراف لتأتي النتائج مبتُورة، والذي كان مُمكنًا يتحول إلى مستحيل بسبب عدم وجود لغة حوار فيما بين سلطتيْ التخطيط والتنفيذ، والأسوأ أن تحول الأمر إلى توجيه التهم للتملُّص من مُساءلات الوطن والمستهلك. إنَّ التوفيق والنجاح والفشل والإخفاق مشترك بين الجميع، إنها مسؤولية مشتركة وعمل مشترك وأداء متكامل ووجب انتقاء أعضاء هذه السلطات بحذر لأنَّ الإنسان رهن شهوته ونفسه الأمَّارة بالسوء. لا يستطيع عاقل أن يجزم بدوام ولاء أحد أو إخلاصه أو مدى وأبعاد إمكانياته وقدراته أو حتى عمره الافتراضي في الاستمرار بالبذل والإنتاج المتوقع منه.

"اطلب المستطاع لتطاع".. يُناهض هذا القول أصحابَ الغرور وجهلة المتغيرات والتجديد بترديد "كل شيء مستطاع"، ليس لأحد أن يُخضع قانونا أو حكما أو آخر ليُتم أمره ورؤاه وإن كانت سديدة، فليست كل الخطط الاستثمارية تمتلك الجانب الإنساني، ومن هنا تُخفق الكثير من المشاريع والخطط؛ فالعمل ليس عملا ما لم يؤدِّه إنسان، أي: كُتلة من الكيمياء والمشاعر والرغبات والشهوات؛ فهو ليس حاسوبا أو تقنية مبرمجة أو حتى بالإمكان برمجته، حتى في أفلام الخيال العلمي يعود الإنسان إنسانا والآلي يحاول أن يتقمَّص مشاعر الإنسان كي يتمكن من حل عقبات لا يُمكن لآلة أن تفعل ذلك؛ بالتالي وجب مراعاة هذا الجانب في وضع الخطط وآليات التنفيذ من أجل تكاملية العمل واستمراره وبلوغ أهدافه.

"إما أن يكون بطريقتي أو غادر، أو أُغَادِر".. مقولة أخرى تُجهِض إستراتيجيات النجاح والتطبيق في سوقنا، وتُهلك الوطن والمستهلك بطريقة أو بأخرى، أنَّ الوطن بذل ما استطاع من أجل الصالح العام، ولا حاجة له بعقول متعصِّبة كالجلمود، بل المرونة وتذليل الصعاب بالعمل المشترك والتعاون جُل ما يُسعِد أي حاضِن ومعطِي، كالأب حين يرى أبناءه يتعاونون فيما بينهم، ويقف الواحد منهم متماسكًا بأخيه، مُحترِما له ولفكره، محوِّلين بتعاونهم وتنسيقهم الفكري والعملي المستحيلَ ممكنًا في جوٍّ من القيم والمبادئ والكرامة.

------------------

رسالة:

"الانسان يبقى إنسانا تحكمه نفسه في الحاجات والشهوات، والوطن وُجِد للجميع وعليه على كل من وكِل إليه مهام ومسؤولية أو ابتلى نفسه بطلبها من أجل المواطن والوطن أن يكون قادرًا على إدراك نفسه، وقياس إنسانيته قبل قبولها أو طلبها؛ فالمسؤولية إما أن تقودك لجنة أو نار الدنيا والآخرة.. أدرِك نفسك واختبرها وقِر ببواطن ضعفك وجوانب قوتك، لكي تستطيع أن تقيم اعوجاجك قبل أن يُقيَّم لك.