حمود بن علي الطوقي
منذ الأزمة الاقتصادية التي عصفت باقتصاديات الدول التي تعتمد في دخلها القومي على النفط كمصدر رسمي للدخل -ومن بينها بلادنا الحبيبة عُمان- وتذبذب أسعار النفط منذ 2014، واقتصادنا يمرُّ بوعكة تتفاوت حدتها من عام إلى عام، وفي مطلع كل عام نتطلع لأن يتعافى اقتصادنا ويعود قويا يصارع التحديات، إلا أنَّ الوعكة الصحية ما زالت تبحث عن وصفة ناجعة تنتقل بالبلاد إلى مرحلة التعافي والشفاء.
أكتُب هذا المقال مُنبِّها لأهمية التحرُّك سريعا نحو وجود حلول مشجعة، والاعتماد على مصادر جديدة للدخل، ودعوة المشاريع الهادفة والجاذبة للاستثمارات التي قد تُساعدنا للوقوف من جديد بقوة ضد أية وعكات صحية قادمة خاصة، والتخوف أن تكُون الوعكة القادمة مُزمِنة، خاصة وأنَّ المؤشرات توحِي بأنَّ الأزمة الاقتصادية ستكون أكثر حِدَّة مع مطلع العام 2020.
سأكُون مُتفَائلا وأرى أنَّ المعطيات والخطوات التي انتهجتها السلطنة قادرة على الخروج من هذه الأزمة بأقل الخسائر، ومُجابهة هذا التحدي، بل والتغلب عليها إذا اعتمدت على تصحيح مسارها الاقتصادي، وتهيئة بيئة العمل، وتفعيل القوانين، وتنمية الشراكة الحقيقية بين القطاع العام والخاص، وتشجيع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ومحاربة الاحتكار، وتشجيع القطاع الخاص من خلال تبسيط الإجراءات الحكومية، وتعمِيق قطاع سوق رأس المال، وتطوير التشريعات والقوانين المتعلقة بالعمل والتملُّك العقاري، وفتح مجال لاستقطاب جنسيات جديدة قادرة على المساهمة في دفع العجلة الشرائية، وترشيد الإنفاق فيما يتصل بالمال العام.
ولتحقيق هذه الأهداف، فلا شك أنه يتطلب تعزيز التكاتف بين عناصر الإنتاج، وتأسيس شراكات قائمة على تحقيق المصلحة العامة. والعمل بجد وإخلاص من أجل الوصول للهدف المنشود بوضع مصلحة البلد فوق كل الاعتبارات.. وأجزم أنَّ الحكومة عبر رُؤيتها حول تنوُّع مصادر الدخل، ومن خلال توجيه حزمة من الاستثمارات في مشاريع ذات قيمة مضافة؛ تدرك أهميّة البحث عن علاج فوري يُجنِّبها من الانزلاق الخطير في البحث عن مشاريع مُصَابة بالحمى والإنفلونزا الحادة المزعجة، وتبحث عن مُهدِّئات ومُنشِّطات تدفع دوران العجلة الاقتصادية التنموية الفاعلة، بما يعُود بالنفع على الوطن والمواطن على حدٍّ سواء.
وفي ظلِّ استمرار الوعكة الصحية التي أصابت جسد اقتصادنا منذ العام 2014، يجب أن نطرَح مجموعة من الأسئلة، ونستعجل في الإجابة عنها، ولنضع في مُقدِّمة هذه الأسئلة هذا السؤال: كيف سيكون وضعنا الاقتصادي والمالي على غرار التنبؤ بأزمة اقتصادية وستكون الأشد حدة من الأزمة الحالية، مع مطلع العام 2020؟ وهل هُناك رُؤى ومُناقشات للحدِّ من هذه الأزمة؟ وهل من أفكار وطرح جديد قد يُجنبنا الوقوع في براثن هذه الأزمة؟
هل علينا أن نكون أكثر استعدادًا لمُعطيات الرؤية المستقبلية لعُمان والتي حتمًا لن تكون في معزل عن الأزمات التي ستُواجِه العالم كَوننا جزءًا من هذا العالم؟! أيُمكننا أن نكون أكثر حِرصًا من الآن ونشخِّص الأزمات الاقتصادية بعدة مؤشرات؛ أهمها: الدقة في التعامل مع المنجز العام المتحقق، وفتح مجال لدخول شركات عالمية متعددة الجنسيات لتكون مصدر قوة لنا ولاقتصادنا، ونجزم أن توجيه البوصلة نحو المنطقة الاقتصادية بالدقم، وأيضا المناطق الصناعية في صلالة وصحار، وتنمية المحافظات العمانية بمشاريع ذات قيمة مُضافة، سيكون أمرًا فاعلًا وأكثر قدرة على تضييق فجوة الأزمة الاقتصادية وتوسيع مجالات الانفتاح الاقتصادي. وهذا التوجَّه بلا شك يتطلب من صُنَّاع القرار الاقتصادي رَسْم مَسَارات وخارطة طريق جديدة تعزِّز قيمة مشاركة القطاع الخاص في بناء الشراكة التفاعلية مع الحكومة، إضافة لتعزيز الوعي المجتمعي للمحافظة على المكتسبات، والعمل من أجل تحقيق المصلحة العامة؛ تمهيدا لتحقيق واقع مُلبٍّ للطموحات الضرورية بما يتناسب وثلاثية الخطة الخمسية العاشرة التي تهدف لتحقيق التغيير الذي لا مَنَاص أمامه عن أن يصل بسفينة الاقتصاد المحلي ذي الخارطة التنويعية إلى مرحلة الأمان والاطمئنان.
صحيح أنَّنا نعيشُ أزمةً اقتصاديةً حقيقيةً، ولا يُمكن أن نُنكِر ذلك كَوننا اعتمدنا على النفط كمصدرٍ أساسيٍّ والأقوى الذي نعتمد عليه، صحيح أن الحكومة تسعى للخروج من هذه الأزمة من عُنق الزجاجة بأقل الخسائر، ولكن يجب أن نعترف بأنَّ هناك وباءً ومرضًا أصاب اقتصادنا، ولابد من مُعالجته بشكل سريع حتى لا يتفشَّى هذا الوباء وينتشر في وريد الاقتصاد الذي أعتبره القوة الفاعلة وأعني هنا القوى العاملة الوطنية.
وفي ختام حديثي، أعتقد أنه آن الأوان لأنَّ نبحث عن أبجديات الحوار الهادف، ونضع الأمور على مسارها الصحيح، وسنجد أن الحلول مُمكِنة وسهلة المنال، وأنَّ العلاج موجود وفِي المتناول، ويتطلب فقط وُجُود طبيبٍ ماهرٍ قادرٍ على كتابة الوصفة الفعالة التي مِن خلالها سنقضي على هذا الوباء تمامًا.