"فورين بوليسي": أزمة غذاء عالمية تلوح في الأفق.. لسبب كارثي

...
...
...
...

ترجمة- رنا عبد الحكيم

ذكر تقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن أزمة غذاء عالمية تلوح في الأفق، في ظل ما يعانيه العالم من تقلبات مناخية ومتغيرات تهدد مساحة الأرض المزروعة.

وقال التقرير: "إذا طلبتَ من البعض تسمية أكبر الأخطار الناجمة عن انهيار المناخ، سيبدأ معظمهم في سرد الأحداث المناخية القاسية، مثل الأعاصير المدمرة والعواصف الشديدة وموجات الحر الفتاكة والفيضانات المفاجئة والحرائق الهائلة". وهذا ليس مفاجئًا، بالنظر إلى كيفية تغطية النظام الإعلامي الموجه للصور لأزمة المناخ، لكن الأمر له جوانب أخرى ستزداد سوءًا.

ففي حين يشكل الطقس القاسي تهديداً حقيقياً للمجتمعات البشرية (مثال ذلك ما خلفه إعصار ماريا لبورتوريكو من دمار)، فإن بعض الجوانب الأكثر إثارة للقلق لتغير المناخ أقل وضوحًا وحتى غير مرئية الآن. ومن الأمثلة على ذلك تقرير جديد مؤلف من 1400 صفحة من الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ "IPCC"، يكشف تأثير انهيار المناخ على أهم سمات الحضارة الإنسانية، وهي نظامنا الغذائي.

ويعتمد نصف سكان آسيا على المياه التي تتدفق من الأنهار الجليدية في جبال الهيمالايا، ليس فقط للشرب والاحتياجات المنزلية الأخرى، لكن الأهم من ذلك للزراعة. ولآلاف السنين، تم تجديد الجريان السطحي من تلك الأنهار الجليدية كل عام بسبب تراكم الجليد في الجبال. لكن في الوقت الحالي، يذوب الجليد بمعدل أسرع بكثير من استبداله. وفي الوقت الراهن، إذا فشلت حكومات العالم في إجراء تخفيضات جذرية في انبعاثات الكربون، فإن معظم تلك الأنهار الجليدية ستزول خلال حياة بشرية واحدة. وسيؤدي هذا إلى تدمير النظام الغذائي في منطقة آسيا، مما يترك 800 مليون شخص في أزمة.

والأزمة ليست في آسيا فقط، بل في العراق وسوريا ومعظم دول الشرق الأوسط، إذ إن الجفاف والتصحر سيجعلان مناطق بأكملها غير صالحة للزراعة. وسوف يذبل جنوب أوروبا على امتداد الصحراء، وستتأثر المناطق الرئيسية لزراعة الأغذية في الصين والولايات المتحدة أيضًا. ووفقًا لتحذيرات وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا"، فإن الجفاف الشديد يمكن أن يحول السهول الأمريكية والجنوب الغربي إلى وعاء غبار عملاق.

اليوم جميع هذه المناطق هي مصادر آمنة للغذاء، وبدون تحرك مناخي عاجل، سيتغير ذلك. ويقول ديفيد والاس- ويلز في مجلة The Uninhabitable Earth، يقدر العلماء أنه إذا زادت حرارة الكوكب، فإن محاصيل الحبوب الأساسية ستنخفض بمعدل 10%. وإذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه الآن، فمن المرجح أن تنهار المواد الأساسية بنسبة 40% بنهاية القرن.

وفي ظل الظروف العادية، يمكن تغطية النقص في الأغذية في المنطقة بواسطة فوائض من أماكن أخرى على الكوكب. لكن النماذج تشير إلى وجود خطر حقيقي من أن انهيار المناخ قد يؤدي إلى نقص في قارات متعددة في وقت واحد. وفقًا لتقرير اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، من المحتمل أن يتسبب الاحترار بأكثر من درجتين مئويتين في "اضطرابات مستمرة في الإمدادات الغذائية على مستوى العالم".

ومن المتوقع أن يؤدي تغير المناخ إلى زيادة معدلات الجوع وسوء التغذية وتقزم الأطفال. لكننا سنمزح إذا اعتقدنا أن الأمر يتعلق بعدم وجود ما يكفي من الطعام لتناوله. كما إن ثمة تداعيات خطيرة على الاستقرار السياسي العالمي.

وستشهد المناطق المتأثرة بنقص الغذاء نزوحًا جماعيًا؛ حيث يهاجر الناس إلى المناطق الصالحة للزراعة في العالم أو يبحثون عن إمدادات غذائية مستقرة. وفي الواقع، هذا يحدث بالفعل؛ فكثير من الأشخاص الذين يفرون من أماكن مثل جواتيمالا والصومال يفعلون ذلك الآن لأن مزارعهم لم تعد صالحة للحياة.

وترى فورين بوليسي في تقريرها أن الأنظمة السياسية تواجه تحديات كبرى تحت وطأة أزمة اللاجئين، فقد ظهرت الحركات الفاشية، وبدأت التحالفات الدولية تتلاشى.

وثمة مفارقة مثيرة للقلق هنا؛ إذ يتسبب تغير المناخ في تقويض أنظمة الغذاء العالمية، لكن في الوقت نفسه تعد هذه الأنظمة سببًا رئيسيًا في انهيار المناخ. فوفقًا للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، تساهم الزراعة بما يقرب من ربع جميع انبعاثات غازات الدفيئة البشرية المنشأ.

وبطبيعة الحال، ليست المشكلة هنا هي أي نوع من الزراعة فقط، بل هو بالتحديد النموذج الصناعي الذي سيطر على الزراعة خلال نصف القرن الماضي أو نحو ذلك. هذا النهج لا يعتمد فقط على إزالة الغابات بقوة لإفساح المجال أمام زراعة أحادية واسعة النطاق، والتي تولد وحدها 10% من غازات الدفيئة العالمية، كما إن الأمر يعتمد على الحرث والاستخدام المكثف للأسمدة الكيماوية، الأمر الذي يؤدي إلى تدهور التربة بسرعة زيافقم إطلاق أعمدة ضخمة من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.

ولحسن الحظ، هناك حل سهل؛ يعتمد الأمر على إدراك أن كمية كبيرة من الزراعة الصناعية ليست في الواقع ضرورية لاحتياجات الإنسان.

وبحسب الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، يُهدر حوالي 30% من الإنتاج العالمي للأغذية كل عام، معظمها في البلدان ذات الدخل المرتفع. فمن خلال القضاء على هدر الغذاء وتوزيع فوائض الطعام بشكل أكثر إنصافًا، يمكننا إنهاء الجوع مع تقليل الإنتاج الزراعي العالمي بالفعل. ويقدر العلماء أن هذه الخطوة يمكن أن تحرر عدة ملايين من الأمتار المربعة من الأرض وتُخفِّض الانبعاثات العالمية بنسبة 8 إلى 10%، مما يقلل الضغط عن المناخ، ولا يصعب تحقيق ذلك. ففي كوريا الجنوبية، يتعين على الأسر دفع رسوم مقابل كل كيلوجرام من الطعام الذي يتخلصون منه، كما حظرت فرنسا وإيطاليا السماح لمحلات السوبر ماركت بإلقاء نفايات الطعام. ويمكن اتخاذ مثل هذه الإجراءات مع المزارع.

وتمثل معالجة النفايات الغذائية خطوة أولى حاسمة نحو جعل النظم الزراعية أكثر ترشيدا. لكن هناك تدخل آخر، وربما أكثر بساطة، يجب وضعه في عين الاعتبار، إذ وجد العلماء أن خفض استهلاك لحوم البقر- وخاصة في البلدان ذات الدخل المرتفع- من بين أكثر السياسات التحويلية التي يمكن تنفيذها لتجنب تغير المناخ. ويمكن أن يعني ذلك الفرق بين النجاح والفشل.

وتختتم المجلة تقريرها قائلة: "إذا أردنا الحصول على فرصة جيدة لتفادي التغير المناخي الكارثي، فإن إعادة التفكير في صناعة المواد الغذائية يجب أن تكون جزءًا من الخطة".

تعليق عبر الفيس بوك