"فورين بوليسي": اليابان تُشعل حربا تجارية في شرق آسيا

ترجمة- رنا عبد الحكيم

اعتبرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية أن نزاع اليابان الاقتصادي المتزايد مع كوريا الجنوبية يمثل أكثر من تحدٍ للنمو العالمي المتذبذب، كما إنه ينذر بتحولات عميقة في آلية إدارة السياسة الخارجية لطوكيو.

وقالت المجلة في تقرير لها، إنه طوال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، اعتمدت اليابان في سياستها على لمسة جيوسياسية ناعمة، والمعروفة باستراتيجيتين مهمتين: محاولة تخفيف حدة الجدل من خلال اللجوء إلى سياسة التسويات دائما، بجانب وضع المصالح الاقتصادية والتجارية في المقام الأول.

لكن يبدو رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي جاهزًا لتغيير ذلك، على الرغم من أن جهوده المبكرة في تنفيذ الاستراتيجية تشير إلى أن حكومته تحتاج إلى مزيد من الخبرة.

النزاع، على الأقل يبدو ظاهريا أنه يتعلق بقرارين تقنيين إلى حد ما من جانب اليابان. ففي الأول من يوليو، قالت طوكيو إنها ستحتاج إلى موافقات تصدير فردية لثلاث فئات من المواد الكيميائية المستخدمة في تصنيع أشباه الموصلات التي تعد فيها اليابان المزود المهيمن، مع عمالقة التكنولوجيا في كوريا الجنوبية Samsung Electronics وSK Hynix من بين أكبر المشترين.

وعندما احتجت كوريا الجنوبية على أن هذه الخطوة تنطوي على خطر حدوث سلسلة من الإمدادات لسلع الإلكترونيات، اتخذت اليابان مؤخرا الخطوة الأوسع المتمثلة في إزالة كوريا الجنوبية من القائمة البيضاء لليابان والتي تضم 27 دولة والتي تعتبر لديها ضوابط مناسبة على المواد الحساسة يمكن أن يكون لها تطبيق عسكري.

وأصرت اليابان مرارًا وتكرارًا على أن لديها أدلة على أن كوريا الجنوبية لم تتخذ الاحتياطات المناسبة لمنع تصدير هذه المنتجات إلى دول ثالثة. على الرغم من تقارير وسائل الإعلام التي تفيد بأن هذا يشمل كوريا الشمالية، إلا أن المصادر تقول إن الدول المقصودة هي دول شرق أوسطية. وعبرت اليابان عن غضبها قائلة إنها تحاول حث كوريا الجنوبية على مناقشة الموضوع لعدة أشهر على الأقل، لكن يتم رفض الأمر.

وتنفي كوريا الجنوبية ذلك وتدين بشدة إجراءات اليابان، وتريد إحالة القضية إلى الأمم المتحدة، التي تشرف على العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية. وضغطت سيؤل على منظمة التجارة العالمية، ووصفت هذه الخطوة بأنها انتهاك لقواعد التجارة العالمية. وفي الوقت نفسه، تبنى الكوريون الجنوبيون القضية بمقاطعة واسعة للسلع الاستهلاكية اليابانية وإلغاء رحلات على نطاق واسع إلى اليابان.

ووراء كل ذلك، هناك رغبة واضحة من جانب اليابان للضغط على سيؤل بسبب نزاع مستمر حول العمل القسري في زمن الحرب عندما حكمت اليابان كوريا كمستعمرة حتى عام 1945. وعبرت اليابان عن غاضبها لأن كوريا الجنوبية سمحت للعمال السابقين برفع دعوى للتعويض عن الأضرار. وتؤكد طوكيو أن مثل هذه الدعوى المدنية استُبعدت بموجب اتفاق عام 1965 الذي استعاد العلاقات بين البلدين وتقول إن مبلغ 500 مليون دولار الذي دفعته كتعويض في ذلك الوقت كان يهدف إلى تغطية مثل هذه الحالات. كما رفضت كوريا الجنوبية إجراء مفاوضات تقول اليابان إنها منصوص عليها في اتفاقية عام 1965 التي تهدف إلى حل مثل هذه النزاعات.

وبحسب مصادر مقربة من الحكومة، شعر آبي بالإحباط الشديد من ذلك الموقف وكان يبحث عن سلاح يمكنه استخدامه، ولذا استقر الأمر على مسألة التصدير، التي كانت تحت اختصاص وزارة التجارة وكانت مصدر قلق لبعض الوقت. وعند هذه النقطة تولى مكتب مجلس الوزراء القوي المسألة ولم تكن النتيجة جيدة. وثمة مقارنات بالفعل بين تصرفات آبي واستخدام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للتجارة كسلاح، وعلى نفس المنوال، شهد الإعلان في الشهر الماضي مزيجًا- على غرار ترامب- من البيانات وإعادة التصريحات والتحولات في الاستراتيجية داخل الحكومة.

والتصريحات من هذا النوع يجب أن تصاحبها على الأقل بعض الأدلة، وجلسات إحاطة معلومات أساسية لوسائل الإعلام المتخصصة والممثلين الدبلوماسيين لبناء رأي عام لهذه القضية، والأهم من ذلك، وجود خط واضح ومتسق لما يجري.

وتقول المجلة إنه يجب نشر جميع المعلومات عبر جهة رسمية واحدة لضمان الاتساق، وأن يكون هناك مجال للتعليق. كما يجب وضع خطط للطوارئ للتعامل مع التطورات غير المتوقعة؛ إذ ستكون مقاطعة البضائع على رأس القائمة.

لكن بدلاً من ذلك، كان الواقع يشير إلى مجموعة متنوعة من التصريحات المتضاربة غالبًا، والتلميحات الغامضة من المسؤولين اليابانيين.

ويمكن لليابان أن تقول- من خلال حقوقها في أي بلد مصدر- إنها تخبر الموردين أنهم سيحتاجون إلى البحث عن تراخيص فردية لكل شحنة من المواد. ويمكن للمسؤولين الإشارة إلى أن اليابان تستخدم بالفعل نفس النظام مع الصين، والتي- إلى جانب الولايات المتحدة- أكبر شريك تجاري لطوكيو، دون أي آثار سيئة واضحة. فلا الصين ولا تايوان المنتجة للرقائق مدرجون في القائمة البيضاء لليابان.

وقال كبير المتحدثين باسم الحكومة يوشيهيد سوجا، الذي يرأس مكتب مجلس الوزراء، إنه على الرغم من أن ضوابط التصدير كانت "لأسباب تتعلق بالأمن القومي"، فقد تعلق أيضًا بفكرة أن كوريا الجنوبية "لم تقدم حلاً مرضيا بشأن قضية العمال السابقين في شبه الجزيرة الكورية قبل قمة مجموعة العشرين ولا يسعنا إلا أن نقول إن علاقة الثقة قد تضررت بشدة".

ليس من الواضح ما إذا كان الطرفان توقعا مدى التداعيات الاقتصادية المحتملة. وسجلت سلسلة متاجر Uniqlo اليابانية، والتي تعد كوريا الجنوبية سوقًا مهمًا لها، انخفاضا في المبيعات بنسبة 30 بالمائة تقريبًا في أكثر من 180 متجراً هناك. وشهدت مصانع الجعة الكبيرة مثل أساهي انخفاضات مماثلة؛ حيث أن العديد من المتاجر ترفض عرض المشروبات اليابانية.

وبشكل عام، مثلت كوريا الجنوبية ثاني أكبر فائض تجاري مع اليابان، بعد الولايات المتحدة، مع فائض في العام الماضي بلغ حوالي 20 مليار دولار.

من المحتمل أن يكون الأمر أكثر إثارة للقلق بالنسبة للشركات اليابانية على المدى الطويل هو ما إذا كانت شركة سامسونج وغيرها ستواصل تهديداتها لتحويل الإمدادات من اليابان إلى مصادر "أكثر موثوقية". فقد أعلنت حكومة كوريا الجنوبية مؤخرا أنها ستنشئ صندوقًا بقيمة 6.4 مليار دولار لتقليل اعتمادها على الصادرات اليابانية. وقد يعتمد ذلك على ما إذا كانت اليابان ستوقف الصادرات فعليًا بعد أن تستقر الأوضاع، لأن مثل هذا الاستثمار سيستغرق وقتًا طويلًا ومالًا كبيرًا، كما يقول الخبراء.

وقالت الولايات المتحدة إنها تريد أن يبذل الطرفين جهودا من أجل العمل المشترك، لكنها رفضت أن تكون وسيطًا بينهما، على الرغم من أن الخطوة التالية في هذه الأزمة قد تكون الأخطر من وجهة نظر واشنطن، وهي أن تقرر كوريا الجنوبية ما إذا كانت ستلغي اتفاق تقاسم المعلومات الاستخباراتية الذي أبرم في عام 2016.

تعليق عبر الفيس بوك