فاطمة الحارثية
لكل ذاكرة حكايات كثيرة عن أعياد مضت وأحلام تحققت حينها، وأخرى احتضنها النسيان أو توارت تحت التراب. "عيد باي حال عدت يا عيد// بما مضى أم بأمر فيك تجديد"، المتنبي.
ماذا لبس؟ وبماذا تزينت؟ لهوٌ يُمتِع المتابع والمتفرج ويخلق هفوات تعود إلى الذاكرة كل حين، لطفل "لا توسخ/ي ثوبك"، بين النساء "من هين اشتريتِ، حلو"، بين الشباب، حكايات عن الخياط أو محل الأحذية أو بائع الكِمّة، أسلوب فني لسرد قصة الفرق بين الأشباه وإعلان أنّه دفع لبياض دشداشته مبلغا وقدره. إنها القدرة العجيبة للإنسان في ابتلاع كيمياء السخط على الأسعار والغيرة والمنافسة عند مدخل كل منزل يزوره، لكن للهفوات نصيب أحيانا، ليفلت غضب أحدهم أو قصف مبطن بين بعضهم أو صرخة طفل كشف قرصة أمه الغاضبة. مؤخرا أصبح "أنا" سيد الحوارات والمهيمن في تلك الزيارات الموسمية، لا أجد له تعريف في "معجم الحوار" هل هو استعراض أم محاولة البُعد عن النميمة.
هل احتاج إلى سماع حكايتك عزيزي القارئ/ة؟ هل عليّ أن أصمت طويلا حتى تكتمل حكايتك؟ أم أنك بارع في الاختزال والسرد؟ أغبط كثيرًا جهابذة الاختزال والإيجاز إنه فن ّ ومهارة لا يتقنها إلا المتمكن وسريع البديهة. يمارس البعض هذا الفن في أيام العيد حرصا منه على إتمام قهوته المصنوعة بأيدٍ مستوردة بصورة مسرحية يُضحك الناس وهو ضاحك عليهم. ربما أبالغ إذا سردت عليكم بعض الأحداث لكن معظمكم عاشها بكل تفاصيل ضحكاتها ودموعها أحيانا. يأتي البعض في محاولة غريبة بأن يحجب عن الناس عاداتهم البسيطة الجميلة الموروثة، تلك اللحظات التي يقيس فيها الطفل ثوبه الجيد، وتتمايل الصغيرة مزهوة بفستانها، هل تذكر سعادتك بثوبك أو حزنك عندما اتسخ أو عندما لم تحصل على واحد جديد في عيد بعده. هل تذكر محاولاتك في تقليد كبار السن في قولهم وجلوسهم؟ فما العيب إذا في تلقائية ومحاولات أطفال اليوم ذاتها؟ لا تنظر في بعض سلوكهم الذي قد يُحرجك بل انظر من يُقلد، إن قلت لا يُقلدك إذا فأنت لست صاحبه وهناك شخص آخر سرق قلب وعقل واهتمام صغيرك.
للعيد طقوس حكيمة ومُبهجة، اللحم والفاكهة مايسترو يجمع القريب والبعيد فهو حاضر منذ ليلة العيد على نغمات "المقلاي" ورائحة "الطرشة" ثم ضربات طبول وجوقة فجرية "العرسية" ليتبعه تخت عربي الإيقاع "القهوة" وموُشحات الفاكهة والحلويات وكونشرتو "الحلوى العمانية" ثم صول "المشكاك" ثاني أيام العيد، ثم موال تحضير "الشواء"، لتتملكنا كلاسيكية ثالث أيام العيد في روعة "الشواء" وراحة الجميع من مضمار سباق الأطفال وكماليات العيد واستقبال الزوار.
كان ممتعا منذ الصغر عندما يضع أحدهم زينة الحياة الدنيا بين يدينا، ونشاكس بعضنا البعض من الأكثر ثراء بيننا ليبدأ عد "العيدية" بحماس وطعم لا يحدث إلا في الأيام المباركة، بكل براءة كنت مثل الكثير منكم أحمل ثروتي إلى "امي" لتستثمر الحصاد في ذهب أو لعبة أرغب بها، لم يكن لدينا "مول" نقصده للعب أو ألعاب إلكترونية ندفع فيها مبالغ ضخمة لتملئ رؤسنا بالضجيج.
***************
رسالة:
إنّها رائحة العيد في أرجاء الأسواق وهمسات الفتيات وضحكات الأطفال جميلة ولا يمكن أن نمل منها، فأطلقوا العنان للبساطة والجمال والهدوء وأزيحوا عن كاهلكم الزينة المفرطة والتكلف الهادم للمحبة ومودة اللقاء. وكل عام وأنتم في حب وود.