عبدالله العليان
في "مُلتقى الإعلام الجديد والعصر الرقمي"، بدورته الثانية، والذي حمل عنوان "الممارسات الإعلامية.. التزامات وطنية ومنهية"، وانعقد في صلالة الأسبوع المنصرم، ونظَّمته جريدة "الرؤية"، بحضور رسمي وإعلامي لافت، ومشاركة عربية وخليجية متميزة، يُعزز هذا الجانب المهم في عالم الثورة المعلوماتية الهائلة، التي أصبحت واقعاً لا مهرب منه، إلا بالتفاعل الإيجابي الذي يعزز الالتزام الوطني بإيجابيات هذه الوسائل، وتفادي ما هو سلبي بالتوجيه والنظرة الواعية والمتوازنة؛ لنكون أكثر منطقية مع الواقع الجديد وتحدياته، وهذا ما نحتاجه للاستفادة من الإعلام الجديد بالفرز والانتقاء، والوعي بما يعزز الهوية الوطنية، وترسيخ القيم الذاتية، مع هذا الاختراق المعلوماتي الهائل.. وقد عبَّر المكرم حاتم الطائي رئيس تحرير جريدة "الرؤية"، في كلمة افتتاح الملتقى، عن "أن المسؤولية الوطنية الملقاة على عاتق وسائل الإعلام بمختلف تصنيفاتها، المقروءة والمسموعة والمرئية، تفرض على العاملين في هذا القطاع تبني رسالة إعلامية هادفة، تنطلق من الثوابت الوطنية، وتتماهى مع السياسات العامة للدولة، وتعلي من قيم المواطنة من أجل بناء مجتمع ناهض يدرك أولوياته جيدا، ويعمل على تحقيق طموحاته ودعم الرؤية العامة التي تضعها مؤسسات الدولة المعنية؛ لدعم خطط التنمية الشاملة والمستدامة"، مشيرا إلى أن "الرسالة الإعلامية التي ننشدها من الإعلام الجديد، أن يتحلى في المقام الأول بالمسؤولية في الطرح والتناول الإعلامي لمختلف القضايا، وأن تلتزم هذه الرسالة بالثوابت الوطنية، وأن تدعم حق المواطن في المعرفة الحقيقية القائمة على المصداقية والموضوعية والحيادية، لكنَّ هذه الرسالة الإعلامية تواجه العديد من التحديات، وهو ما يفرض على القائمين عليها أن يضعوا المقترحات اللازمة التي تضمن مواجهة هذه التحديات، وصياغة حلول بناءة تدعم جهود نشر هذه الرسالة على أوسع نطاق وبأعلى قدر من المهنية والاحترافية".
ولا شك أن المسؤولية الوطنية تحتم التعاطي بواقعية واحترافية، مع هذا الواقع الإعلامي الجديد، كما أشار المكرم حاتم الطائي، وهذا بحد ذاته مسؤولية أخلاقية، أن تتحقق المصداقية بكل ما تعنيه الكلمة من التزم وطني ومهني بالكلمة التي تكتب، أو تسمع، أو تنطق، في عصر باتت الشائعات والفربكات فيه تُتداول من البعض عبر هذه التقنيات، بعيداً عن المصداقية والالتزام الأخلاقي في النشر، وهذه ضمن سلبيات عالم الإعلام الجديد، ومن خلال الفضاء المفتوح الذي أصبح متاحاً للجميع دون حجب أو إقصاء، صحيح أننا لا ننكر إيجابياته الكبيرة، لكن نجد بعض الظواهر السلبية التي تمارس لأغراض وأهداف لا تخفى على أحد، والتي تحتاج نظمًا وقوانين، تحدُّ من هذه الظواهر السلبية، وقد سبق وتكلمتُ عن أهمية مواجهة هذا التحدي، بما تمثله هذه الوسائل من تحديات، وأنها ستكون البديل الطاغي للإعلام الجديد، بحيث يصبح أكثر أهمية في الواقع الافتراضي، وهو الذي أصبح يتقدم على الوسائل التقليدية لوسائل الإعلام، وهذا ما سيشكل منافساً شرساً للإعلام التقليدي إذا لم يتم التفاعل والتأقلم معه مع تحدياته؛ لذلك فلابد من المواكبة لهذه المتغيرات في عالم الإعلام والمعلوماتية.
كما أنَّ الإعلام اليوم أصبح سوقاً مفتوحة للجميع، خاصة مع دخول العصر الرقمي والإعلام الإلكتروني، وهذا أسهم في الانفتاح، كما يقول الباحث جاب الله موسى حسن على: "تقنية الاتصال المعاصرة تسمح للفرد بالانفتاح على مجالات إعلامية وثقافية متعددة دون أن يكون خاضعاً لمشيئة الدولة وسياساتها الإعلامية والثقافية. هذا الانفتاح وما يقابله من تدفق معلوماتي مقصود تجاه المشاهد -المستقبل- لا بد أن يؤثر إلى الدرجة التي يُمكن معها المستقبل أن يرتبط برصيد معرفي مشترك مع المصدر "الآخر" القوي، مصدر قد يؤثر في سلوكه وتفكيره أكثر من ذلك المتعلق بهويته الأصلية، ولعل أخطر هذه التحولات ما يقوم به الإعلام في تشكيل أنماط معينة من السلوك الإنساني وتهميش أنماط أخرى من خلال لغة الصورة ورموزها. تحولات أدركت بموجبها الدول المتقدمة أهمية الأدوار التي يُمكن أن يقوم بها الإعلام كبديل لممارسة الديمقراطية، خصوصاً بعد أن احتلت وسائط الاتصال المساحة المخصصة لممارسة الفعل الديمقراطي؛ إذ أصبحت هذه المساحة هي ذاتها المخصصة للإعلام، لذلك لم يعد الإعلام يمثل السلطة الرابعة، بل أصبح يشغل المجال الشفاف بين الفعل السياسي والثقافي ورد الفعل الجماهيري". وقد أشرت في أحد البحوث التي كتبتها عن تأثير الإعلام الجديد على الإعلام التقليدي، الذي بقي كما هو ثابتاً على الطرق والأساليب القديمة، "أنَّ التبادل الحر للإعلام في عالم اليوم سيقلص بشكل أو بآخر من تأثير الدول والحكومات العربية على وسائل الإعلام بصورة كبيرة، وسيُسهم في بلورة مفاهيم جديدة لهذا الإعلام المتدفق الحر، ولا يمكن أن تحد الدول -تمنع- ولو بصورة جزئية هذا التدفق الإعلامي والمعلوماتي الكبير، في كل مجال ووسائل الاتصال الإعلامي، فإن هذه القدرة سوف تتراجع إلى حد كبير، وقد تنعدم في المستقبل، خاصة في ظل وجود مئات من الأقمار الصناعية التي تتنافس على الفضاء والمخرج الإيجابي -كما أشرت إليه أيضا- والذي أراه إيجابيًّا ومهمًّا، هو الانفتاح الإعلامي المتوازن المصحوب بالتفاعل مع الجديد القادم، واستيعاب النظم المتطورة وإدماجها في وسائلنا الإعلامية وتأهيل الكوادر الوطنية، وإعطاء المساحة للحرية الإعلامية في مجال التناول والنقاش في قضايانا، وهذا هو الرهان الذي يمكن الاستناد إليه في مواجهة هذا الاختراق الإعلامي الكبير.