جيل "السستم" يقلب الطاولة

محمود المدني

"جيل السستم" لقب أطلق على مواليد القرن الجديد أو ما يُسمى بـ"الألفينات"، وهو جيل ألصقت به العديد من التُّهم والصفات غير الحميدة والتي فيها الكثير من التهوين من أمره والتخذيل والتقليل من شأنه والإشانة لأفعاله وأقواله، وقد حاول النظام البائد جاهداً أن يُثبت في العقل الجمعي السوداني هذه التُّهم كسماتٍ لا تنفك عن هذا الجيل وأنَّه جيل لا فائدة منه ولا يُمكنه أن يُغيَّر ما في نفسه دعك من أن يُسهم في تغيير الحياة السياسية والاجتماعية. اعتقد النظام البائد أنَّ هذا الجيل يُمكن أن ينشغل بسفاسف الأمور والمُلهيات عن الفساد الذي يجري، والحروب العبثية التي يصنعها النظام لتُطيل من سنوات حكمه؛ وقد اتِّضح ذلك جلياً من خلال بعض الخطابات والتسريبات التي أطلقها بعض المسؤولين في مُناسبات عديدة، سواء كان ذلك قبل اندلاع ثورة ديسمبر المجيدة أو بعدها، والتي تحوي كثيراً من التهكم والازدراء وأحياناً العنتريات الجوفاء والتهديدات، وليس آخرها تصريح مدير الأمن المُقال صلاح قوش عن فتح مقاهي الشيشة أو متنزهات شارع النيل للشباب اعتقاداً منه بأنَّ دافعهم للخروج للشوارع هو هذه الأمور الهامشية.

لكنَّ هذا الجيل حينما أحسَّ بأنَّ الأمر قد تجاوز حدوده وبلغ السيل الزبى قرّر أن يوقف العبث بمُقدرات الوطن؛ فوقف صلداً شامخاً وكسر كل القوالب التي حاول النظام البائد أن يضعه فيها، متمثلاً بقول القائل "ياها بلدنا نحن أحبابا نهوى عديلا نرضى صعابا"، مثبتاً للجميع أنَّه جيل يحمل جينات بعانخي وتهراقا ومهيرة ورابحة ومندي بت السلطان والكنداكات الماجدات اللاتي جلسن على عروش الحكم لأزمان عديدة، وأنهم أحفاد المك نمر وعلي عبد اللطيف والماظ وعلي دينار.

حينما قال جيل السستم "لا للظلم.. لا" بصوت عالٍ ارتجت كراسي الحكم بكافة مستوياتها من أدناها إلى أعلاها، وخرجت السموم من أفواه الجالسين عليها ومعاونيهم والمنتفعين من تحتهم، فمنهم من وصفهم بشذاذ الآفاق، ومنهم من وصمهم بالعمالة والارتزاق بل قالوا إنّهم بقايا اليهود والإسرائيليين في المنطقة، كما حاول النظام اللعب على هذه التهم المُعلبة التي صاغها مسبقًا تحسبا لمثل هذه الأيام، حيث اعتمد على سياسة فرِّق تسُد معولاً على تباينات المُجتمع السوداني العرقية والإثنية التي نفخ فيها وأججها طيلة سنوات حكمه، فعمد إلى اتهام ثلة من أبناء دارفور بأنَّهم هم المخربون وهم من يُديرون الحراك تحقيقاً لأجندات عنصرية، لكنَّ جيل السستم رفض هذه الفرية والخدعة، مؤكداً في إصرار أنَّها سلاح صدئ لن يمضي في جسد الشباب المُستنير، فاستنكرها بشعار "يا عنصري ومغرور كل البلد دارفور" الذي حوى قيماً عُليا دعت لها كافة الديانات السماوية والتشريعات الوضعية، وليضاف إلى شعارات الثورة الذكيّة والتي أشهرها "تسقط بس"، "حرية سلام وعدالة"؛ ما جعل أصحاب السلاح الإثني البغيض يفغرون أفواه الدهشة تعجباً من استنارة هذا الجيل الذي استطاع بسلاح السلميّة التي اتخذها شعاراً لثورته أن يُنجز ما لم تستطع المعارضة بكل أحزابها وأطيافها أن تُنجزه، بعد أن نجح النظام البائد في خلخلتها وتجزئتها وتمزيقها إلى كيانات ضعيفة وحركات مسلحة ظلّت تقاتل النظام على مدى سنوات.

أنجز جيل السستم ثورة مجيدة سيُخلدها التاريخ قضت على حكم ديكاتوري عضوض استمر لثلاثين عاماً عجافاً تذوق فيها السودانيون أصناف العذاب وعرفوا التشرد النزوح والاحتراب القبلي والجوع والفقر.

ما نود التأكيد عليه أنَّ الثورة التي أنجزها جيل السستم لم تنته بعد ولكنها قطعت شوطاً أولاً ناجحاً، ينبئ بنجاح الشوط الثاني. وكما يقول رواد كرة القدم "شوط المدربين" وهذا وصف ينطبق تماماً على الجزء الثاني من الثورة حيث يتطلب هذا الجزء وضع خطط مُحكمة "ما تخرش الميه" على قول أهلنا في شمال الوادي، لإدارة مرحلة ما بعد الثورة؛ وهي مرحلة بناء الوطن وإعادة إعمار ما خرَّبه الفساد في كافة المجالات، وأهمها إفشاء السلام الاجتماعي، بالإضافة إلى قضايا التعليم والصحة التي تحتاج الكثير من العمل الوطني الشاق والصادق.

 

 

 

تعليق عبر الفيس بوك