خلفان الطوقي
كانت اللوحة الشهيرة المُزيَّنة بحديث الرسول عليه الصلاة والسلام الذي يقول "لو أن أهل عمان أتيت، ما سبوك ولا ضربوك"، معلقةً في المبنى القديم لمطار مسقط الدولي، وما إن تمَّ الانتقال إلى المبنى الجديد، إلا وضجّت وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة بمقترح جديد؛ بل بمطالبات لإدارة الشركة العُمانية للمطارات بأن تضع اللوحة في مكان بارز في مدخل المطار ترحيبا بضيوفها القادمين إلى السلطنة، وفي وقت وجيز استجابت إدارة المطار مشكورة باختيار أفضل الأماكن وأبرزها، ونقلت اللوحة إلى المبنى الجديد، وزادت بترجمة حديث رسولنا محمد - عليه أزكى الصلوات والتسليم – إلى اللغة الانجليزية يتوسطها طفل عُماني ذي ملامح بريئة يحمل زهورا ترمز إلى التسامح والسلام والضيافة والانفتاح على الآخر، وإحقاقا للحق، لا أدري هل تعليق اللوحة جاء بناءًا على مقترحات أو قناعة من الإدارة في أن تختار المكان البارز الذي يليق بمحتواها !!عموما وفي كل الحالات، هي خطوة موفقة تحسب للاثنين.
وما إن أخذت اللوحة مكانها، إلا وأتت عبارات الإشادة وكلمات الإطراء لإدارة المطارات على حسن صنيعها، وهنا شدني ولفت انتباهي مقترح عفوي كتبه سعادة خليل الخنجي عبر حسابه في تويتر، وأقترح أن يكون مثل هذه اللوحة التي تحمل الحديث النبوي الشريف معلقة في كل منافذ الدولة الجوية والبرية والبحرية.
ما شدني في هذا المقترح العميق أنه يحمل في طياته "أبعادا" عميقة لا تشاهد بالعين المجردة، أبعادًا دينية، وتاريخية، وإنسانية وسياحية، فالدينية هي أن رسولنا - عليه الصلاة والسلام - اختص أهل عمان بالذكر ووصفهم بالتسامح والانفتاح وتقبل الآخر، وإن اختلف معهم، أو اختلفوا معه في وجهة نظره، أما بالنسبة للبعد التاريخي فإن ذلك يعني أن دولة عمان دولة عريقة حاضرة وبكل قوة على مر الأزمان، وحديث رسولنا - عليه أفضل الصلاة والسلام - هو من الشواهد المليونية على عراقة وعظمة هذا البلد العظيم، والحديث النبوي هو من أعظم الشواهد والبراهين ومصدرها خير البرية والأنام، أما بالنسبة للعمق الإنساني، فإن أصل الطبيعة البشرية يدعو للعيش المشترك والتسامح والحوار وكل المعاني الإنسانية السامية، وحديث نبينا الشريف هو رسالة لكل البشرية وهو خير دليل، وإن اختص به اسم "عمان" فقط، أما بالنسبة للبعد السياحي، فكما هو معروف فإن كثيرًا من الدول تستفيد من أماكن زارها المشاهير، أو قالها أحد القادة المعروفين ما بين حكمة شهيرة، أو قرار تاريخي في مكان.. إلخ، فيكون ذلك المكان مزارا سياحيا، فما بالك بمن ذكر اسم "عمان" هو خير البشر وأطهرهم.
هذه اللوحة التي تزدان بأجلّ وأنقى الكلمات كما لها أبعاد، فلها "دروس" مازال أثرها باقيا - بإذن الله - وعلينا أن نضعها نصب أعيننا وفي عقل كل عماني وعمانية، وأهم هذه الدروس أن الشخصية العمانية منذ الأزل هي شخصية مسالمة مع نفسها ومع غيرها، شخصية متسامحة ومرحبة بالعيش المشترك، وترى وتلاحظ هذه الحكمة ظاهرة في التعامل اليومي بين الأفراد بغض النظر عن مذاهبهم ودياناتهم وأعراقهم وأجناسهم وقبائلهم وثقافاتهم وغيرها من المتغيرات، ورسخ ذلك في قوانيننا المدنية منذ نشأة النهضة الحديثة بقيادة مولانا السلطان قابوس بن سعيد - حفظه الله وأبقاه - ووجود لوحة الحديث النبويّ الشريف في مكان بارز في مطار مسقط الدولي لهو اعترافٌ، وتطبيق عمليّ للثوابت العمانية في القوانين والمعاملات والأعراف، وعلينا أن نذكِّر الأجيال المتعاقبة بأنها سمة ملازمة زجينية في الشخصية العمانية ومتوارثة عبر الأزمان.
بالإضافة إلى أن هذه اللوحة ووضعها في مكان واضح وجلي للجميع له أبعاد ودروس كما ذكرنا، إنما يمتد إلى "الرسائل" الإيجابية، وأهم هذه الرسائل لزوّار عمان والسائحين على اختلاف دياناتهم وتوجهاتهم: هذه الرسالة الترحيبية والإيجابية وكأنها تقول لكل زائر: "أهلا وسهلا بك، فأنت في عمان التاريخ العريق، والمجد التليد، والمتواضع، أنت بين أهلك، وسوف تبقى بينهم عزيزا مكرما في أمن وأمان".
ولكي تكون هذه اللوحة لها أثرا عظيمًا وباقيا وتحقق "أبعادها" العميقة وتؤصل "دروسها" المؤثرة وتوصل "رسائلها" الإيجابية، ندعو الجهات الحكومية، وكل المعنيين في جميع المنافذ الجوية والبحرية والبرية من شرطة ووزارة النقل والإتصالات ومجموعتي أسياد والطيران وكل من له علاقة ببوابات الدخول إلى السلطنة أن تتبنى المقترح أعلاه وتقوم بتعليق هذه اللوحة وتضعها في أماكن بارزة ليراها الجميع من العمانيين والقاطنين والزوار، ليكون هذا المنهج ليس للعمانيين فقط بل للعالم أجمع.