حاتم الطائي
< مستوى الجاهزية في صلالة هذا العام يرسخ أقدامها على قوائم المدن الأكثر جذبا للسياح
< جهود مُميزة لإتمام الاستفادة الكاملة من المقومات السياحية وإضفاء طابع الاستدامة عليها
< الجميع مطالب اليوم بدعم البانوراما التي تدُور وقائعها على بُعد 1040 كم جنوب مسقط
هي في كُتب التاريخ: حاضِرة ظفار ومركز تجارة اللبان والبُخور، وفي الذاكرة الحديثة: مرتكز انطلاق النهضة المباركة، وفي جُغرافيا الطبيعة: جنة الخليج، وفي الاقتصاد: أرض الاستثمارات والفرص الواعدة، وفي السياحة: عرُوس الجزيرة العربية، وفي التقارير الدولية: جَنة عُمان الصحراوية، وفي تصنيف المنظمة العربية للسياحة الأخير: عاصمة المصايف العربية، وفي تقارير الطقس: مدينة الرذاذ والضباب، وعلى قوائم وجهات شركات السفر والسياحة: الوجهة المميزة للباحثين عن كل شيء، وفي قواميس الطموح الوطني والخطط والإستراتيجيات التنموية -الحالية والمستقبلية- المِفْصَل الرئيسي لاستدامة منظومة التنمية والسياحة الخضراء.
بكل هذه اللغات.. يُمكن وصف مدينة صلالة الساحرة، وتفسير الزيادة المضطردة في أعداد زوار أرض الخريف عامًا تلو الآخر؛ فبدرجة حرارة لا تزيد على 27 ولا تقل عن 21، وبثراء في مُقومات السياحة والتراث والطبيعة الخلابة، وكرنفالات احتفائية تجسِّد بهاءها كل عام مراحل تطور فعاليات المهرجان السياحي، ترسمُ ظاهرة "مونسون" بانوراما رائعة على أرض اللبان تتواصل لثلاثة أشهر متتالية؛ تكتستي فيها المناطق الجبلية والسهول باللون الأخضر، وتنطبعُ على وجنة الزائرين حبَّات الرذاذ المستمر والمتقطع، والمصحوب أحيانا بتساقط للأمطار الخفيفة، وتدني مستويات الرؤية -الباعث على الاسترخاء- نتيجة ضباب منبسط على طول المساحة الإجمالية للولاية.
وخلال الأعوام القليلة الماضية، وعبر زيارات متفرقة، تلمَستُ -وغيري الكثير بكل تأكيد- نقلة واسعة في مستوى التعاطي مع طموحات الزوار -من مواطنين وعرب وأجانب- في استثمار هذا الحدث الموسمي السياحي بصورة متنامية؛ لنقف اليوم في 2019، مشدوهين بحجم الجاهزية التي يظهر عليها الموسم الحالي، وعوامل الجذب السياحي والفعاليات الجديدة التي تُرسخ أقدام صلالة على قوائم المدن السياحية العالمية الجاذبة.
وإن كان لي أن أبدأ حديثًا عن التفاصيل، فلن يكون شيئًا قبل الأجواء المناخية، سوى مَظلة الأمن والأمان التي تعزِّزها جهود شرطة عُمان السلطانية على امتداد صلالة بشكل عام وفي محيط موقع المهرجان على وجه التحديد، والسعي الحثيث من قبل وزارة السياحة لإتمام حجم الاستفادة من المقومات وإضفاء طابع الاستدامة عليها في إطار إستراتيجية عُمان السياحية 2040، ومخرجات مُختبرات برنامج التنويع الاقتصادي "تنفيذ" لدعم مؤشرات الأداء السياحي، ناهيك عن الجهود الواعدة لبلدية ظفار لتوفير حاجيات الزوار وضبط الأسواق وتنظيم المهرجان، وقبل هذه وتلك، مسافة الـ41 كم التي افتتحتها وزارة النقل والاتصالات أمام مستخدمي طريق أدم - ثمريت لتوفير حركة مرورية آمنة على الطريق المؤدى لصلالة، يُوفِّر من جهة ربطًا مثاليًّا بين المحافظات والولايات القريبة؛ ويُسهم بالمقابل في خفض نسب الحوادث المنغِّصَة لفرحة هذا العُرس السنوي، إضافة إلى الافتتاح المبهر -قبل أيام- لمنتجع ميلينيوم صلالة الواعد، كإضافة مُهمَّة لمنظومة المنشآت الفندقية بالمحافظة، ومشاريع البُنى الأساسية الرائدة التي تعمل على تعزيز حُضور الولاية، وتمنحها ثقلا سياحيًّا على خارطة مناطق الجذب الاستثماري والسياحي ليس في السلطنة وحسب، وإنما كوجهة مفضلة تفتح ذراعيها على الجميع.
وفي موسم خريف هذا العام، تقف جُملة من الفعاليات التي استُحدثت على مناشط مهرجان 2019، لتصنع فارقًا جديدًا في إستراتيجية الجذب السياحي؛ فعلى سبيل المثال: كرنفال المناطيد المميز بسهل صحلنوت، والأسماء الجديدة على قوائم نجوم "ليالي المهرجان"، والحضور الأول لأسبوع الفروسية، ومعرض نفائس المخطوطات العمانية، وماراثون صلالة، وعددٌ كبير من المؤتمرات والملتقيات والمنتديات المدرجة على قوائم المهرجان، وزخم الأركان التاريخية والثقافية والحرفية والفنية والترفيهية وركن الطفل، وجهود التوثيق التي تبذلها مراكز المعلومات السياحية المؤقتة والدائمة في المنافذ البرية ومطار صلالة، تقف كلها اليوم بمثابة شهودِ عيانٍ على تضافر جهود الجميع من أجل مَوْسِم يلبي ذائقة وطموحات الزوار، ويقدِّم صلالة للعالم كوجهة مثالية، برحلات عبر التاريخ تقدِّمها المواقع الأثرية؛ كالبليد وسمهرم وموقع شصر الأثري في ثمريت، وفرص ممتعة للتخييم وركوب الزوارق في سدح، إلى جانب عين جرزيز بروعتها، وعين رزات، وعين صحلنوت، ووادي دربات، وكافة البحيرات والعيون والجبال والكهوف والسهول الخضراء، يضعنا كل هذا أمام قطاع سياحي واعد بامتياز.
كل هذا يتكامل مع مبادرات شركات الطيران في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، التي أعلنت هذا العام وللمرة الأولى عن فتح خُطوط مباشرة إلى مطار صلالة.. 6 شركات أعلنت تسيير رحلاتها بعروض وحزم محفزة للراغبين في الاستمتاع بأجواء صلالة الاستثنائية، في مؤشرات تُبرهن على نجاعة الموسم، وتُعطى التجربة العلامة الكاملة في استدامة الجذب السياحي إلى ظفار، مع تواصل جهود تعزيز المرافق السياحية والخدمية لتكون قادرة على توفير منتج سياحي يناسب جميع الفئات، لا سيما وأنه من المؤمل أن يقترب عدد زوار هذا العام من المليون زائر وسائح تقريبًا.
ويبقى أن أقول.. إنَّ ما طرحته هُنا لا يندرج أبدًا تحت خانة "الترويج الإعلامي" لهذه الوجهة السياحية الواعدة، أو مجرد احتفاء موسمي عابر بما يتحقق هُناك تحت زخَّات الرذاذ، وإنما هي مَسؤولية تتجدد كل عام وتفرضُ على كل مواطن -حسب مَوقعه- أن يُسهم في دعم هذه البانوراما التي تدُور وقائعها على بُعد 1040 كم جنوب مسقط، ليس فقط في هذا التوقيت المميز، وإنما على مدار العام بأكمله؛ فمن يزُور صلالة بعد الخريف، وبعد تراجُع الغيوم وهدوء الأمطار وعودة الزوار إلى وجهاتهم، ستجذبه نضَارة الربيع -المعروف محليًّا بـ"الصرب"- حيث تكتسي تلك المدينة بلون البهجة والفرح في أجواء مُعتدلة تمثل موسما استثنائيًّا آخر، لكنه يفقتد للترويج أو التسويق الذي يضمن استثماره بشكل جيد؛ فمن واقع عدة زيارات، أرى أن موسم "ربيع صلالة" في بهائه لا يقل عن خريفها في نضارته، فكلاهما كنزٌ زاخر يستحق الاستثمار والاعتناء والتطوير، والتخطيط السليم، لضمان استدامة السياحة الداخلية، وتعبيد المسارات أمام اقتصاد وطني مفتوح على بدائل جديدة تخدم واقعنا التنموي، وتُوفر بلا شك آلافا من فرص العمل أمام الشباب الطموح.