أيها المرشحون: صفوا لنا ولاياتكم؟

د. سيف بن ناصر المعمري

 

سؤال بسيط نود أن نطرحه ليس للقراء إنما للمرشحين لمجلس الشورى والذين بلغ عددهم

(767) بينهم (43) امرأة ينتمون إلى (61) ولاية؛ نود أن نختصر لهم الدعاية الانتخابية التي يفترض أن يقوموا بها؛ لكي يُسمعوا أصواتهم قبل أن يحصلوا على أصواتنا؛ نضع سؤالنا بصيغة بسيطة حتى لا نُصعب الأمر على أحد، سيما وأنَّ شهادة الدبلوم العام هي الحد التعليمي الأدنى الذي وضع للمُرشحين، وأكثرهم لديهم مستوى أعلى مما يؤهلهم لأن يقدموا لنا سردية وافية واقعية عن الولاية التي يترشحون عنها، ويُريدون أن يحتلوا مقعدها أو مقاعدها في هذا المجلس، الذي تغيَّرت ولاياتنا كثيرًا منذ أن بدأ 1991 حتى هذه الفترة 2019؛ ولكن لم يصف لنا أحد من ممثليها ذلك التغيير بدقة ووضوح ودراية وبصيرة حتى يُمكن التعامل معه من خلال المجلس بأدواته المختلفة، وهذه هي الإشكالية التي نُعاني منها ليس على المستوى البرلماني إنما على مستوى المناصب الرسمية، لا أحد يُقدم لنا قراءته للواقع الذي سيُصبح من مسؤولياته المستقبلية، فالواقع به أمراض وإشكاليات تتطلب طبيباً قادراً على التشخيص والتحليل، طبيبًا قادرًا على الفحص الميداني للمشكلات في واقعها، مما يجعل الناس يقتنعون بأنَّه قادر على انتقاء العلاج المُناسب الذي يقضي به على جذور المرض، لا أن يقدم مسكنات فقط تجعل الأوجاع تختفي وقتيًا وتعاود الظهور بقوة مرة أخرى.

أيها المرشح إلى المجلس؛ فكر في هذا السؤال في هذه المرحلة الحرجة التي نمر بها والتي تتطلب نوعية معينة على دراية كبيرة بمجتمعها وولايتها ودولتها، وما تحتاج إليه لكي لا تظل مسجونة في الحاضر، يا تُرى ماذا يمكن أن تقول للناخبين ليس في ولايتك إنما في بقية أنحاء عمان عن هذه الولاية التي تترشح عنها؟ ما الإجابة التي سوف تقدمها وتؤهلك للذهاب إلى المجلس البستان بعمق معرفتك لا بثقل دعمك القبلي ولا بثقل إنفاقك المادي أثناء الانتخابات، ولا بثقل التوجه الديني الذي تظهره، فكل ذلك لا يعنينا اليوم لأنه لن يُساعد هذا المجلس على المُشاركة في تغيير الواقع من خلال تغيير التشريعات المختلفة التي لا يُمكن الحكم على كمالها وموضوعيتها إلا من خلال رفاهية الإنسان واستقراره وطمأنينته الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتربوية، وما لم تتحقق هذه الغاية فالتشريعات تتحول إلى عوائق وسدود تُعيق الإنسان من بلوغ الحياة المنشودة البسيطة التي يجد فيها ما يضمن له مستوى معيشياً مناسباً يُساعده على المشاركة بفاعلية ورشد ووعي وارتياح ليعطي، وما أحوجنا للإنسان الذي ينتهي من الانشغال بمتطلبات الحياة الشخصية إلى الانشغال بالحياة العامة.

 

أيها المرشح أيتها المرشحة لا نُريد منك أن تضع لنا تلك القائمة الطويلة من العبارات الإنشائية المكررة عن الأشياء التي تعتزم العمل عليها، والتي يختلط فيها الحابل والنابل، وتفقد معنى الارتباط والتماسك والتعبير عن الواقع، وتظهر غربتك عن الولاية التي تنتمي إليها، وضعف سرديتك الحالية عنها، وغياب سرديتك المستقبلية التي ستعمل على تنفيذها فيها، أم أنك تريد أن تصل إلى المجلس دون أية سردية (رؤية) واضحة تعمل من خلالها للنهوض بهذه الولاية؟ إن كنت كذلك فلماذا تصر على أن تصل إلى هذا المجلس؟ دون أن تلتفت إلى ما يجري حولك وأنت تشق طريقك إلى بيتك؟ أو إلى المدرسة التي سوف ترعى فيها حفلاً لاحقاً؟ أو إلى النادي أو إلى العزاء أو العرس الذي تتطلع من الناس بداخله أن يضفوا عليك صفات التبجيل والتقدير؟ ما الذي يدفعك إلى المجلس وأنت لا تكترث للشباب الذين يجلسون على الشوارع ليلاً دون عمل أو أمل في المستقبل؟ ما الذي تعرفه عن الأطفال الذين يقضون ساعات طويلة محبوسين في البيوت يلعبون بالأجهزة الإلكترونية لأنه لم تخصص لهم مساحات يُمكن أن يلعبوا فيها؟ ولا مكتبات يُمكن أن يذهبوا للقراءة فيها؟ ألم تلتفت إلى انحسار الأراضي الزراعية وتمدد المساحات السكنية؟ إلى تزايد سيطرة العمالة الوافدة عليها؟ ألم تلتفت إلى غياب أي مرافق للترفيه للأسر في ولايتك؟ ألم يجذب انتباهك ذلك التفاوت الكبير في الثروة الذي يجتاح الولاية التي تترشح عنها، ما سرديتك لتحقيق بعض التوازن بدلاً من استمرار تنامي هذه الفجوة، ما الذي يُمكن أن تقوله لنا عن ولايتك، وما الممكن والعملي الذي تعتزم أن تشتغل مع الآخرين عليه.

مرشحون بدون سرديات واضحة عن ولاياتهم وما تمر به من تغيرات، وبدون سرديات مستقبلية لمجلس يعمل في أولى الخطط الخمسية لرؤية عُمان 2040، مرشحون لن يكون لهم عمل إلا صناعة سردية التراجع التي لا يُمكن أن تخدم أحدا، هؤلاء المرشحين بدون هذه السرديات يخرجون الانتخابات من إطارها العملي القائم على تقديم برامج محكمة تعبر عن فهم تنموي، وخروج الانتخابات من إطارها يعني أنَّها ديمقراطية بجلباب مُرقع من دوافع مختلفة قبلية ودينية واقتصادية واجتماعية لا يمكن أن تصنع إلا واجهة ولقبًا لأصحابها، وواجهة ديمقراطية للبلد، ولكنها لن تكون قادرة على صناعة سردية مستقبلية تغير الواقع من حولنا وتحاصر الإشكاليات وتطلق الطاقات وتستثمر الموارد البشرية والمادية، وتُقلل من ذلك التفاوت في الثروات والامتيازات التي تصنع مجتمعاً مختلفاً تختلف فيه كثير من المعايير التي تولد صدامات وصراعات صامتة تعيق أكثر مما تدعم صناعة عُمان جديدة، ولذا فالسؤال لكم أيها المرشحون قدموا لنا سردياتكم الانتخابية واشعرونا بأننا في انتخابات بدلاً من هذا الصمت الذي تمضون فيه إلى هذا المجلس الذي أوقعنا في حيرة وقلق طوال السنوات الماضية، لم نتمكن أن نتبين الخيط الأسود من الأبيض فيه، حتى نستطيع أن نمضي إلى التصويت بثقة ويقين وإيمان بأننا نصنع ديمقراطية تقود التغيير لا ديمقراطية تعيق التغيير.

 

الأكثر قراءة