حاتم الطائي
مُنذ قرابة العشر سنوات من الآن، اقتضتْ الحكمة السامية لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- كتابة سَطرٍ نهضويٍّ جديدٍ ضمن سِجلات الإنجاز العُماني، بصُدُور المرسوم السلطاني رقم 119/2011، القاضي بإنشاء هيئة المنطقة الاقتصادية بالدقم، إيذانًا بتطوير وجهة استثمارية واعدة، وتشييد بوابة اقتصادية عالمية في الركن الجنوبي من محافظة الوسطى.. إنها المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، بوابة عُمان الجديدة على العالم من حولنا.
فخلال زيارتيْن لي للدقم، تملَّكتني الدهشة من الفَوَارق الكبيرة بين ما عَاينته في الزيارة الأولى والثانية -رغم تقارب المدة الزمنية بينهما- فَوَارق وضعتني أمام حالة من اليقين بأنَّ ما يدُور هناك في الدقم نابعٌ من إيمان عميق بحجم الفرص الموجودة بالمنطقة، يترجم هذا الإيمان منظومة متكاملة من العمل الدؤوب والسعي المتواصل من أجل إنجاز هذا المشروع الوطني، وفق أعلى المعايير الجاذبة للاستثمارات العالمية، بخطط مدروسة تشمل مد مظلة التنمية على كافة القطاعات هناك: صناعيا وسياحيا وتجاريا وصحيا وبيئيًّا، ومجتمعيا كذلك.
وممَّا يبعثُ على الاعتزاز بمسيرة ما يجري على أرض الدقم اليوم، هو أنَّ كل ما تحقق ويُعلن عنه حتى الآن من أرقام ومؤشرات ونتائج أداء ومنجزات، هو فقط فَهرس الكتاب، أو بمعنى آخر مُقدمة لما سيجنيه الوطن من نتائج إيجابية مستقبلا، تعزِّز معدلات التنافسية، وترفع سقف الطموح في اقتصاد وطني متنوع وأسرع نموا.
... إنَّ ما تحمله المنطقة الاقتصادية بالدقم من بُشريات أمل في المستقبل، لتفرضُ على الجميع عدم الاكتفاء بموقع المشاهد، وإنما على الجميع العمل بمسؤولية من أجل إكمال المشهد التنموي في تلك المنطقة الواعدة بإسهام وطني يحتكم إلى روح الشراكة المجتمعية المسؤولة كعنوان رئيسي للمرحلة المقبلة.
وهي مناسبة أيضًا مواتية للتأكيد على ضرورة وضع إستراتيجية عمل واضحة، تجعل من الدقم بمثابة "ملتقى الشراكات العالمية"؛ في خطوة تدفع قُدما باتجاه تبنِّي فكرة "الاقتصاد الدبلوماسي"، القائم على استثمار العلاقات الدولية المتينة والمميزة، والثقة الدولية المشرِّفة في منهجية الحكمة العمانية، بحيادها الإيجابي، ودورها المحب للسلام والداعي له، والمساعد في تعزيزه عالميًّا.
إنَّ فصل "الدقم" في سجلات النهضة المباركة كذلك، يدعو الشباب خصوصا الباحثين منهم عن لمغادرة محطة "الشكوى"، إلى ركوب صهوة العمل الدؤوب والبحث عن الفرص في أرض الدقم، وتنمية مهاراتهم في المجالات التي تتطلبها مشاريع تلك المنطقة الواعدة، وأن يُشمروا عن سواعد الجد ويقلبوا كل حجر في المنطقة بحثا عن مشروع وفرصة أمل.. كما تدعو كافة الجهات الحكومية والخاصة والبنوك إلى مزيد من البذل لتشجيع وتحفيز المستثمرين العمانيين على الانتقال للعيش في الدقم من خلال توفير التسهيلات المناسبة والاستثناءات مثلا في مسألة التمويل للأراضي والبناء، والتعجيل بإنهاء مراحل الإنشاء للمدارس والمراكز التجارية والترفيهية والمستشفيات وخصوصا مشروع جامعة الدقم الدولية... وغيرها. كما نحتاج مركزًا إعلاميًّا باسم المنطقة للتعريف بالفرص والمنجزات، ومهرجانًا سياحيًّا على غرار مهرجاني صلالة ومسقط للترويج للمقومات.. المنطقة بكل صدق واعدة بالفرص والخيرات لهذا البلد المعطاء، وكما ذكرتُ فإننا ما زلنا في بداية المشوار، والدرب جدًّا طويل، لكن الأمل الوطني أكبر والعزيمة في إنجازه أكبر وأكبر بإذن الله تعالى.