يوليو الأمل


عائشة البلوشية


إنّه يوليو الذي أشرقت شموسه على أرض عمان الحضارات في عام ١٩٧٠، وخرج فارسها الهمام راجلا أمام شعبه التواق لرؤيته، ممتشقا بشته الأسود، ممسكا بيد من عزم على سيفه الذي ورثه عن أجداده، خرج سليل السلاطين، واعدًا عمان بأنها ستظل مهدا للحضارات، أرضا طيبة لا يخرج منها إلا كل طيب، فجميع الحضارات عبر الحقب التأريخية -بلا استثناء- ابتاعت اللبان الحوجري الظفاري العماني، لطقوسها أو معابدها أو كنائسها أو ديرها أو عطورها، وعرف النحاس العماني الصحاري عبر أصقاع المعمورة، في جميع الصناعات التي يدخل فيها هذا المعدن، وجاء الفينيقيون ليتعلموا فن ومهارة صنع المراكب العمانية إلى صور العفية، واندهشت الحضارات من هندسة "غراق، فلاح" التي انتهجها أهل عمان لري مزروعاتهم، عندما يعترض مسار الفلج أحد مجاري الأودية، ولأنّها أرض السلام، وأمان الخائف، وملجأ الملتاع، وأخيرا وليس آخرا قال علماء الجيولوجيا كلمتهم بأنّه من هنا، من عمان من صخور جبالها تتنفس الأرض، جاء اليوم الذي خط في اللوح المحفوظ، يوم أن تولّى حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- سدة الحكم، وتولى زمام القلوب، ليتربّع على عروشها، قائدا مؤيدا، وعاهلا ممجدا، فاستبشرت الحناجر حمدًا، وغزر خريف ظفار غيثا، لتبدأ حقبة حضارة جديدة في سلسلة حضارات هذه الأرض، عنوانها السلام، ورمزها حب آلله والوطن والسلطان.
كم يعشقك العمانيون أيها الشهر الرائع، فأنت شهر خروج الأمة العمانية إلى النور من جديد، لنخرج إلى العالم أجمع بحضاراتنا الموغلة في عمق التأريخ، نعشقك لأنّك غيرت من مسارنا نحو النور في الحقيقة، بعد أن كان ذلك خيالا بعيد المنال، ولأنك جعلت منا طيورا تحلق نحو شمس العلم والتطور،  فنكتسي منها ذلك الضياء الجميل، الذي يشدنا نحو أهدافنا في بناء أنفسنا أولا، ثم نتجه بكامل إمكانياتنا الأكاديمية وعنفواننا لبناء الوطن، كنت تعلم مدى اشتياقنا لارتياد مؤسسات العلم، واحتياجنا الشديد كي ننفع الإنسانية بما في نفوسنا من حب للعطاء وللسلام، فجئتنا بأروع العطايا، بقائد أحبنا فبادلناه الحب عهودا من الولاء، ومضينا معه منذ اللحظة الأولى جسدا واحدا، ونبضا واحدا، يد تحمي، والأخرى تبني، وأصبحت دمعة السعد رفيقة الخد كلما صافحت نظراتنا طلته البهية، وتفتر الابتسامة التلقائية على ثغر الطفولة عند رؤيتهم الابتسامة التي يعشقونها على محياه، وتلوح أكف كبار السن كلما رفع يمينه محييا، وكأنّهم يقولون إننا على العهد باقون، وتتعلق قلوب الشباب به أكثر وأكثر كلما أسدى توجيهاته ونصائحه لهم، ووجدوا أوامره السامية تحيط بهم.
يا يوليو إنّك شهر غال علينا، وحري بنا أن نلقاك كل عام ونحن نملأ صباحاتك أدعية وبشائر خير، فاللهم أجب دعاء حبيبك المصطفى صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، وكثر في خيراتنا وأرزاقنا وفي ميرتنا وصيدنا، وخفنا وظلفنا، وفي بحرنا وبرنا، وبارك لنا فيما رزقتنا، وأدم نعمك ورضاك ورخاءك علينا، يا الله يا سميع يا مجيب، واحفظ اللهم بلادنا آمنة مطمئنة، واحفظ سلطان قلوبنا الغالي، وأمد في عمره في صحة وعافية، وأسعد قلبه بشعبه في الدارين يا الله.

-----------------------------------------------------


توقيع:
سيدي قابوس، عاما بعد عام، وعيدا بعد عيد، نعاهدك: "ماضون خلفك.. لا شقاق، ولا فتن"
حمود العيسري وبخيت الحمر.