همسة في أذن كل تربوي (1-2)

د. عبدالله بن سليمان المفرجي

كل نظام تعليمي يهدف لنشر مظلة المعرفة لدى المتعلمين بطريقة محبَّبة وسهلة؛ لبناء أجيال واعدة مؤهلة بشكل جيد للحياة في المستقبل المشرق، وكل معلم ينشد أن يكون متميزا في عمله وفى أدائه مع تلاميذه، ومن ملامح ذلك أن يرى ثمار جهده وبذله واضحة جلية في المتعلمين لديه؛ وذلك لن يتحقق إلا من خلال علاقة تفاعلية قوامها ممارسات تدفع إلى تنشيط بيئة التعلم، وتحقيق تعلم نشط، ولعلَّ هذا من حرص كل معلم على أن يُؤدى أدواره المختلفة في بيئته التعليمية، ومن هنا وجب علينا توجيه عدة رسائل لكل معلم، هدفها العام يتمثل في إكسابه روح المبادرة نحو التميز في مهاراته التدريسية، ولدى القيادة التربوية الحديثة في اكتساب مهارات تفعيل تلك الفرصة الذهبية في المواقف التعليمية المختلفة، وقد بات من الضروري بمكان الخروج من الطور التقليدي إلى الطور الحديث؛ فمن الملاحظ أنَّ ما يحدث في مؤسستنا التعلمية غالبا مُنصب على الاهتمام بالمحتوى دون اهتمام بتطوير ما يلي:

1- الأهداف التعليمية: غالبا ما تكون الأهداف أن يعرف الطالب أو يفهم كذا وكذا، ليس المطلوب المعرفة والفهم في القرن الحادي والعشرين فقط، فهذه أدنى مستويات أهداف التعلم والتعليم، لماذا لا تكون الأهداف أن يطبق، يقارن، يحلل يكتشف، يقوم، يستنتج. وهذا ما أشار إليه هرم بلوم المعروف في الأوساط التربوية، والذي أوضح فيه أن عمليات التعليم تبدأ بالتذكر والفهم لتنتقل للتطبيق والتركيب والتحليل والتقويم؛ فالاستمرار على التركيز على المستويين الأوليين سوف يخلق طلابا غير مستقلين عن المقرر الدراسي والمعلم وغير قادرين على التعلم الذاتي ومواكبة ركب الحضارة المتسارعة والتأقلم مع مستجدات الحياة وتقلبات العصر الهائلة التي تنتظرهم في المستقبل القريب قبل البعيد. فبداية نجاح العملية التعليمية مرهون بمدى ارتباطها بتحقيق متطلبات المجتمع وملاءمتها مع طبيعة المتعلمين وميولهم واتجاهاتهم ورغباتهم، وتعد تلك الخطوة من أوليات تجديد الثقافة العربية -اليوم- والتي تحتم علينا ضرورة التحول من ثقافة الذاكرة والحفظ إلى ثقافة الإبداع والابتكار. ويفرض ذلك التحول العديد من المتطلبات الضرورية التي ينبغي توافرها لكي يتم ذلك، ومن أهمها إصلاح التعليم وتطوير مناهجه الدراسية لكي يحقق أهداف التحول من ثقافة الذاكرة والحفظ السائدة اليوم إلى ثقافة الإبداع والابتكار التي تتفق ومتطلبات طبيعة عصر المعرفة والمعلومات الذي نعيشه اليوم.

2- هيمنة التقنيات الحديثة على مفاصل الحياة المعاصرة، وغيرت من أساليبنا في الشراب والأكل، والتواصل، والصناعة والتنقل والزراعة... بيد أنَّ طرقَ التدريس لا تزال بالية في قوامها العام وتعتمد على المحاضرة فقط، في حين أضحى المتعلم يطلب من أستاذه أن يحاوره ويفتح معه قنوات التواصل والاقناع، بأسلوب شائق وممتع يجعله فاعلا في العملية التعليمية، بل أصبح العالم الآن متجها نحو التعليم التفاعلي النشط والتعليم التعاوني والتشاركي والتعليم بالاكتشاف والتعليم عن طريق عقود التعلم والتعليم عن طريق استخدام السقالات التعليمية (الويب كويست) والتي يكون الطالب فيها فاعلا في بيئة التعلم لا متلقيا سلبيا.

3- تخفق بعض المؤسسات التعليمية في بناء المنظمات المتعلمة داخل المؤسسة التعليمية الأكاديمية، فكم هي جلسات العصف الذهني اليومية بين موظفيها لتبادل الأفكار الإبداعية مع الأقران، وكم هي القرارات الصاعدة الجديدة اليومية والتي تكون نابعة من العاملين فيها، لا هابطة عليها كالسيل المنهمر المدرار، وكيف تم صياغة رسالة المؤسسة ورسالتها هل هي بناء على تطورات القادة التربويين أما هي تعاون مشتركة بين فرق العمل جميعهم معها، وكم هي عدد برامج الإنماء المهني التي يلحق بها الموظفون والمعلمون والمحاصرون، وكم هي عدد الأبحاث العلمية المحكمة التي ينشرها المحاضرون، أو تلك التي يشارك فيها في الندوات والملتقيات العلمية التي يشارك فيها هؤلاء، والتي تنطلق من بيئة العمل في معرفة الكفايات التدريبية لا الارتجال ولا التخبُّط العشوائي.

4- كم عدد الدورات التدريبية المجانية والمدفوعة التي تقدمها مؤسستنا التربوية للطلبة لتنمية مهارات الحياة (المهارات الناعمة) كمهارة التعلم الذات، ومهارات التفكير الإبداعي، ومهارة التواصل مع الآخرين والإقناع، ومهارات الاستذكار والنجاح الدراسي، ومهارات المحافظة على الصحة الجسدية، ومهارة البحث العلمي، ومهارات ذاتية أخرى كـ(مهارة حل المشكلات، ضبط الذات، تنظيم الوقت، التعامل مع الحزن والفرح).

الوضع الحالي في بعض المستويات ورش ومحاضرات في موضوعات تعب طلابنا منها لتكرارها وعدم ملامستها للوقائع وتناغمها مع تطلعات وميول واتجاهات متعلمينا، والعالم يتجه لتعليم المهارات لا حشو الأدمغة بالمعارف والمعلومات والتي يمكن أن يتحصل عليها الطالب عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة. فأي نفع يرجى من نظام تعليمي يعلم المعارف الجامدة دون المهارات الأساسية التي يحتاجها المتعلم في محيطه الواقعي العملي، وهذا المنحى من السلوك هنا سوف يدخله في دهاليز مظلمة، وسوف تقف بينه وبين موقعه من الإعراب في عالم محفوف بالمخاطر والتقلبات، فقد يظل حبيسا لذاته منزويا على نفسه، يسبقه أقرانه أشواطا لعدم قدرته على التخاطب والتواصل والتأقلم مع الظروف والمحيطين به وتنمية قدراته المعرفية والتفكيرية.

5- طرق تصميم الاختبارات التحصيلية وطرق تقويم الطالب ما زالت تقليدية في محيطنا التربوي، أين تطوير طرق بناء وتنويع الاختبارات، وأساليب التقويم المختلفة؟ أين توظيف وسائل تعزيز المتعلم وطرق تقديم التغذية الراجعة الفورية والمباشرة؟ أين طرق التدريس الحديثة المبتكرة التي تستخدم المنظمات البصرية والثقافة البصرية، وتنسجم مع أنماط المتعلمين الثلاثة السمعي والبصري والحسي؟ أين تفعيل نظرية الذكاءات المتعددة الثمانية؟ دائما ما نخاطب نوعا واحدا من المتعلمين. يقول ألبرت آينشتاين: "كل إنسان هو عبقري بشكل أو بآخر، المشكلة أننا نحكم على الجميع من خلال مقياس واحد، فمثلاً لو قيَّمنا سمكة من خلال مهاراتها في تسلق شجرة ستمضي السمكة بقية حياتها معتقدة أنها غبية".

6- أين الأنشطة التعليمية التفاعلية في المواقف التعليمية المختلفة، بما يخدم العملية التعليمية ويسهم في سرعة إيصال الفكرة والمعرفة والمعلومة بطريقة سريعة ويجعلها أكثر رسوخا كالجبال الرواسي. فلم يعد التعليم مقتصرًا على حدود التلقي داخل فصول الدراسة، للمعلومات والمعارف، كما لم يعد الإنصات والاستماع داخل جدران فصول المؤسسات الأكاديمية، كفيلا بالتعلم فقط، بل أضحت طرقا توائم ظروف الحياة العصرية.

7- أين تشجيع بناء الجمعيات والفرق داخل كيان المؤسسة التربوية لصقل مواهب المتعلمين وبناء معارف وقيم لا تُنسى. في جامعة السلطان قابوس لا تجد يومًا يمر إلا وتكون هناك ورشة تدريبية وملتقيات مدفوعة ومجانية من تنظيم فرق تطوعية بالجامعة. كيف يتمرن طلابنا على العمل الجماعي والخدمة الاجتماعية والقيادة والإدارة، إذا لم يُشجَّع أبناؤنا على التعليم بالاشتراك والذي يعني "ربط الموارد الثرية في الجامعات بالمشاكل الأخلاقية والأكثر إلحاحا اجتماعيا، وبأطفالنا، بمدراسنا، بمعلمينا، بمدننا. عمَّا نحتاج له على المستوى الأكثر عمقا يتجاوز مجرد زيادة البرامج؛ حيث نحتاج إلى هدف أكبر، وإلى شعور أكبر بالرسالة، وضوح أكبر لتوجه حياة الأمة" (Saltmarsh and Zlotkowski,Higher Education and Democacy,22)، و"يقودنا هذا النوع من التعاون الإبداعي والخدمة المجتمعية إلى إعادة تعريف التعليم من زرع معلومات في عقول خاوية، ثم طلب استعادتها في الاختبارات، ولنقرب الصورة أقرب كالمعلم الذي يحاول إدخال المعلومات (العملة المعدنية)، في رأس تلاميذه (ماكينة البيع)، ويخرج من تلك الآلة قالبا من الحلوى (نتيجة الاختبار)، طبعا هذا النموذج منتج آخر من مخلفات العصر الصناعي، ويشبه البعض ذلك بنظام صب وكب، المعلم يصب المعارف والمعلومات المجردة من روحها على الطالب والطالب يحفظها ويصبها في ورقة الاختبار وينساها بعد ذلك، ويعتبر ذلك أنموذجا مقتصراً على مقارنته بغيره من النماذج القائمة على التعاون الإبداعي والذي يشترك فيه الجميع (طلاب ومدرسون، مجتمع محلي)، فيحدث هذا العمل تحولا شاملا ومثمرا.

8- أين من يهتمون برفع مستوى الدافعية لدى المتعلمين. بطرق إبداعية واحترافية من خلال القراءة الواعية في هذا المجال، واستخدام أساليب التهيئة الحافزة عند بدء المحاضرة، أو تقديم الخبرة؛ مثل: سرد قصص الناجحين والمميزين، وطرح الأسئلة السابرة التي تدفع للعصف الذهني، وتقديم العروض المثيرة للدهشة، والتي يتم تعزيزها بالمنظمات البصرية المختلفة ويستعمل فيها الثقافة البصرية المتنوعة والتي تساعدهم على حل ما يطرأ من مشكلات بأنفسهم.

 

* دكتوراه القانون - ماجستير التربية تخصص تكنولوجيا التعليم

تعليق عبر الفيس بوك