علي بن مسعود المعشني
تداول عبر وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرًا مقالًا بعنوان "الصياد لا يطلق النار على كلبه" منسوب إلى ياسين أقطاي مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أستهله بعبارة "أمريكا لن تقتل الدجاجة (إيران) التي تبيض لها ذهبًا. وما كان ليشغلني الرد على المقال المزعوم لولا صياغته المشوشة واستنتاجاته المضللة للقارئ غير المُحصن، إضافة إلى توقيت المقال في زمن الحلقة المتقدمة من حلقات العداء الغربي لإيران، وتسويق النظام التركي بزعامه أردوغان من قبل الأمريكان خصوصًا والغرب عمومًا؛ بأنّه شخص يُخشى من نزعته وتصرفاته وحميته الوطنية والإسلامية على مصالح الغرب في المنطقة، خاصة وأنّ صفقة صواريخ إس400 هي الشغل الشاغل والسجال المحتدم بين أردوغان والغرب وكأنها شعرة معاوية الرقيقة التي تربط مصالحهما معًا.
يشبه الكاتب الأزمات في المنطقة بالقدور التي تؤجج تحتها نيران الحرب بين الغرب وإيران، ولكنّ الضحايا دائمًا هم أطراف أخرى؛ وضرب أمثلة بالعراق وسوريا وأفغانستان واليمن، حيث شبه تلك الأزمات وكأنها صفقات ومكاسب لإيران في النهاية دون الدخول في الأسباب والحيثيات، وترك الأمر مفتوحًا على مصراعيه لفهم وتأويل القارئ كل بحسب علمه ووعيه.
مفردات وجمل المقال حمالة أوجه، فهي للمتابع الحذق تعبر عن حيوية السياسة الإيرانية، ونضجها، وبعد نظرها، والتي تتواجد في البؤر الساخنة في المنطقة لتعزز من أوراقها وتُعظم من مكاسبها، وهذا هو الصحيح في سياق الأحداث ومن واقع المعطيات والنتائج على الأرض؛ بينما يقرأها الآخر غير المتابع والسطحي بأنّها اتفاقات مسبقة وسياسات باطنية، وتبادل أدوار بين الأمريكان والغرب من جهة وإيران من جهة أخرى؛ وهؤلاء هم في الغالب الأعم ممن يعتقدون ويؤمنون بالقضاء والقدر الأمريكي الذي لا يٌرد وبـ"المسرحيات" في الحياة السياسية وسنن التدافع بين البشر والدول.
المقال في المقابل يذهب في مفاصل منه إلى تسويق تركيا ورئيسها أردوغان على وجه الخصوص تلميحًا وتصريحًا، وإظهاره بالرجل "المقاوم" للمشروع الغربي الصهيوني في المنطقة، والنموذج الحقيقي للدولة الإسلامية الحيوية في زمننا هذا.
والحقيقة أنّ صراع النماذج والنفوذ في المنطقة هو صراع محتدم، وموجود، وهو فصل مهم من حلقات الصراع في المنطقة وعليها، وتجلى أكثر منذ صعود نجم أردوغان عام 2002م وتفرده بتأسيس حزب مستقل عن حزب الرفاه وهو حزب العدالة والتنمية.
فتسويق أردوغان ونموذجه الإسلامي الأطلسي الشاذ يدخل في سياق الضد النوعي للعقل الغربي في مواجهة الإسلام الثوري الإيراني، وترجمة حرفية لما قاله وليام كيسي رئيس جهاز الاستخبارات الأمريكي في الكونجرس عام 2005م والذي قال في آخر كلامه عن الوضع في المنطقة: "سنصنع لهم إسلامًا يعجبنا" وابتسم بسخرية المنتصر المتعجرف النرجسي"!! ومن غريب المصادفة أنّ في ذات العام عقد الناتو اجتماعه الأخطر في تركيا، واستعرض فيه مخطط الربيع العربي وتفاصيله وأهدافه، بحضور ورعاية رجب طيب أردوغان وحزبه، ثم توالت "فلاشات" التسويق للنموذج الأردوغاني في المنطقة بدءا من ضخ المليارات من قبل اللوبي الصهيوني في شرايين الاقتصاد "الخدمي" التركي؛ لنسب المعجزات لاحقًا إلى أداتهم الوظيفية أردوغان، وصولًا إلى مسرحية تحديه للغرب وأمريكا واستقلال قراره عنهم؛ في سياق حملة علاقات عامة مفضوحة ومكشوفة لأولي الألباب، ومرورًا بمسرحية (one minte) في مؤتمر دافوس الشهير ونظريتي أحمد داؤود أوغلو "العمق الاستراتيجي وصفر مشاكل" ومسرحية أسطول الحرية لفك الحصار عن غزة، والذي ما زال جاثما على صدور أهالي غزة لغاية اليوم.
الغريب أن الأردوغانيين في تركيا والوطن العربي من مسطولي مسرحيات أردوغان التي لا تنتهي لم يصدقوا أنّ تلك المناورات الكلامية ولغة عضلات اللسان مثمرة وشجاعة؛ بل انطلت عليهم مقولة أنّ جميع جهود حلف المقاومة في مواجهة المشروع الصهيو أمريكي في المنطقة هي مجرد "مسرحيات " متفق عليها بين الغرب ومكونات حلف المقاومة!! ولم يتوقف حصار العقل العربي عند الإعجاب بأردوغان ظاهرًا وباطنًا؛ بل تناسى في لحظة تغييب للوعي مساهمة أردوغان في تدمير سوريا والعراق وليبيا، وجعله لتركيا بيشاور أخرى لتمرير الإرهابيين، وجعله لليبيا مركز تفريخ وبيت مال لهم.
والأغرب من كل ذلك أنّ الأردوغانيين لم يتوقفوا للحظة ويتساءلوا عن سبب انتكاسة أردوغان، وتراجع حزبه في كل انتخابات ومنذ عام 2012م ولغاية اليوم، ولماذا يرفض الأتراك "نعم" أردوغان و"معجزاته" بينما بيننا نحن العرب من يقدسه ويحلم بتكرار نموذجه !!ولماذا تشفع له "معجزاته" المزعومة وتبرر له كل جرائمه تجاه الأقطار العربية!؟
قبل اللقاء: ساهمت الظاهرة الأردوغانية في تكريس قوي لعقلية البُعد الواحد في الوطن العربي وشيوع التبريرية، وغياب العقل والوعي المنطق في المقارنات والأحكام؛ وتجلت من خلالها ثمرة من ثمار حصار العقل وتأسيس بُنية علم الجهل.
وبالشكر تدوم النعم