ما بين الولاء والانتماء

 

 

علي بن سالم كفيتان

نعتقد أنّ هناك خلطًا بين مصطلحي الولاء والانتماء؛ وهذا الخلط يولد لغطًا في الساحة العامة؛ ففي الوقت الذي يكون فيه الانتماء متاحاً للجميع يظل الولاء محصوراً في إطار أضيق ولا يمكن بأي حال من الأحوال منع الانتماء أو المحاسبة عليه بعكس الولاء الذي يجب أن يكون وفق محددات لا لبس فيها فالانتماء للأمة الإسلامية أو للثقافة العربية أمر مستحب والتعاطف مع القضايا الإنسانية هو أحد أبواب الانتماء البشري مهما اختلفت العقائد وتباينت الألوان.

الانتماء لا يعترف بالحدود السياسية فيفتح الباب واسعًا للتواصل المجتمعي وفق رابطة الدم مثلاً أو رابطة العقيدة أو غيرهما، وهذا النوع من الانتماء يجب ألا يتعارض مع الولاء الوطني، وفي هذه الحالة يصبح الانتماء العابر للحدود داعمًا أساسيا لروح الوحدة الوطنية فعندما يمتلك الوطن نطاقاً واسعا وأفقاً بعيداً يكون ذلك بمثابة الحصانة أو المصل الواقي للداخل إذا ما وُظّف بشكل عفوي بعيدا عن حساسية التسييس والخوف من المجهول الذي يقود للأفراط في الانغلاق وكبح غريزة أساسية ولدت مع الإنسان.

لقد وظّف التجار والدعاة الانتماء لتوسيع نشاطاتهم فتمازجت المجموعات البشرية، وانصهرت الحضارات فانتشر الدين الحنيف في معظم أرجاء المعمورة وازدهرت الأوضاع الاقتصادية في الوطن الأم رغم شح موارده بفضل توظيف روح الانتماء ولهذا أدرك المفكرون والساسة أهميّة الانتماء لما وراء الحدود السياسية المصطنعة ولذلك أصبح الانتماء بوابة للخروج من أزمات الداخل فما لا يمكن إدراكه في الداخل قد يكون متاحاً في الخارج بما في ذلك قضايا التوظيف فكلما كان الانتماء مكيفا بالشكل الصحيح كلما استوعب الظهير الإنساني المزيد من الفرص لأبناء الوطن.

وكانت عُمان وعلى مدى الأزمنة امبراطورية ألهمت روح الانتماء البشري وساهمت في بناء الحضارة الإنسانية ليس عبر الانغلاق على الداخل وتخوين الخارج بل من خلال الانفتاح الحر والجري على الأمم والشعوب وتقبل حضاراتهم والتفاعل معها فلكم أن تتخيلوا حجم المغامرة التي خاضها ربابنة البحار العُمانيين في سبيل منح فرص اقتصادية للداخل ومن هنا يجب أن نستلهم التوجهات الجديدة بحيث نوظّف الانتماء المتجذر للأمة العُمانية في الخارج لصالح الداخل فالانفتاح على اليمن أصبح أمراً حتمياً بعد أن أصبحت السلطنة هي البوابة المفضلة لإخواننا في اليمن السعيد ونعتقد جازمين أنّ الاقتصاد الوطني يتطلب خطوة جريئة في هذا الاتجاه بعيدًا عن التوجس المفرط من تسرب أزمات الجار وانحسار التفكير في الشق الأمني  فقط.

والأمر ذاته في اليمن يجب أن ينصب على الجيران في الخليج مثل الجمهورية الإسلامية الإيرانية ودولة الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر فالتبادل التجاري مع الإمارات الشقيق هو الأعلى حسب البيانات المتوفرة ومن هنا نرجع لما بدأناه من توظيف الانتماء للمصلحة العامة وهذا يقودنا لعدم الالتفات لصغائر الأمور والانصياع للنداءات المغرضة لتوتير العلاقات الراسخة مع دولة الإمارات العربية المتحدة فمهما اختلفت بعض المفاهيم والرؤى يظل روح الانتماء هو الحاكم لهذه العلاقة الوطيدة.

إذا لم نحصد موسم الرخاء السياسي الذي تقوده الدبلوماسية العمانية المحترفة طوال عقود لصالح أزمات الداخل وعلى رأسها الوضع الاقتصادي وشح فرص التوظيف فإنّ تلك العلاقات ستظل في إطارها الإنساني الضيق الذي يقود للدعاية السياسة فقط.

أمّا الولاء فأمر آخر لا يختلف عليه اثنان؛ وهو الولاء للوطن والسلطان ولما تمّ بناؤه خلال نصف قرن من الإنجازات العظيمة في جميع ربوع عمان العزيزة والحرص على تجاوز الأخطاء عبر المحاسبة المنطقية بناء على فلسفة جلالة السلطان - حفظه الله ورعاه- التي قامت على إبقاء الهامات مرفوعة مهما عظمت التحديات.