المشهد الأدبي.. بين الواقع والمأمول (3)


مروان المخلافي| اليمن

في علاقة المثقف المتلقي بالمشهد الأدبي ورواده من صناع النصوص وقطعه الفنية تأخذه في بعض الأحيان سكرات من الدهشة تسمره في مكانه،  ليس لكم الإبداع المنثور على صفحات الإبداع ، بل للواقع الآثم في حق هكذا مشهد تمارس عليه الكثير من السلوكيات التي تعبر تعبيراً حقيقياً عن المستويات الضحلة التي تعكس روح الانفلات الثقافي وفوضى اللأدب العبثية التي لم تجد من يكبح جماحها لشموخها واستعلائها على مشهد الأدب برمته وجميع تفاصيله بفعل انسحاب الكثيرين الذين آلمهم مثل هذا الواقع الذي تجاوز الكثير من الحدود التي ماكان ينبغي تجاوزها للنهوض بواقع الأدب وتنقيته من الشوائب التي تعكر من صفوه ونقائه.
وفي السياق مثلاً قد تجد في بعض الأحيان وبتوجه صادق ومؤدب يحاول البعض أن يبذل من جهده حرصاً على كاتب بادر في سعيه نحوه تنمية لقلمه الذي يمارس فيه الكتابة دون موهبة أو دراية بمتطلباتها وخطوطها العريضة التي يستطيع البناء عليها ليصبح مقتدراً على المجيئ بلغة سليمة في حدودها الدنيا، وقد كان يمارسها بتركيبات لا تخلو من العثرات أو بعض السقطات،  يتفاجأ بأن من أقبل عليه بحب وتقدير يقابله بروح من المكابرة والتعالي دون أن يعيره ذرة اهتمام لملاحظته التي أبداها لصالحه وقلمه، ويحصل منه ذلك بفعل ما استمرأ على الدوام من سماعه كيل المديح لكتابته من البعض الذين شوهوا صورة الأدب بفعل هذه المجاملات الفارغة.
وهذا السلوك نجده طاغ وبشكل لافت للنظر حد انحصاره على فئة الممارسات للكتابة لأنهن أكثر عرضة للمديح والثناء ، وأنى لملاحظ أن تصل وجهة نظره المحترمة لمثل هؤلاء الآئي سبقه إليهن من تعودوا على العزف والترنيم ، الأمر الذي يذهب روح الشعر والأدب، ويمارس عليهما ثقافة التغييب للكتابة الأدبية في إطارها الرسالي والرؤيوي.
وهل هناك مطلوب في عالم الشعر أكثر من الرؤية والرسالة في الأداءآت الكتابية التي إن جاءتا بغاية سامية، ومقصد نبيل ، وتوجه يحفه وجدان رفيع المستوى في إنسانيته، فذلك التفوق الحقيقي للشعر ، وقيمه التي تحترم القارئ تبعاً لموطن احترامه الكاتب  لنفسه ....
وبأعتقادي فإن أقصى أمنية تجمل في مطلبها أن يكون لدى شعرائنا مثل هذا الشعور الذي يعبر تعبيراً حقيقياً عن القيمة المعتبرة للشعر وممارسته في هذا السياق الذي يستحق بأن ترفع له قبعات التقدير والعرفان .
الواقع الذي ننشده واقع تسوده روح الموضوعية والمهنية والاحترام ، فكم عرفنا من صحف ومجلات ومواقع ومؤسسات في بعض بلداننا العربية يقوم عليها أفذاذ من الأدباء والكتاب ، ورواد الأدب والثقافة ممن يحترمون فيك إبداعك قبل شكلك وجنسيتك وشهادتك العلمية ، لا يعبأون بمن تكون أو جنسك أو دولتك بعيداً عن أدبك وفنك وإبداعك ، يقدسون فيك روح المبدع الذي تبعثر في أوساطنا الأدبية، وتناثر شذرا مذراً بين ثنايا رفوف مشهدنا الثقافي الذي يقوم عليه في بعض الأحيان متسلقون دفع الحظ بهم لأن يكونوا على رأس المراكز والمؤسسات، وعلى يديهم ألقي الإبداع وكثير منه في غيابات الجب، وأودية السحيقة من التهميش حيث ألقت أم قعشم العربية .
وهناك جانب مشرق  ليس بالإمكان تغافله في واقعنا غير المحترم ، فالبعض وعلى إمكانياتهم المتواضعة، إلا أنهم  فتحوا الأبواب مشرعة دون قيد أو شرط أمام المبدعين من الكتاب والمثقفين والأدباء، حتى أولئك الذين هم بحاجة لمن يأخذ بأيديهم نحو مواطن الإبداع والتألق، وهؤلاء هم السند الحقيقي للأدباء كأشخاص ومشهدهم الأدبي كجماعات ومؤسسات .
وهؤلاء في مشهدنا تجدهم على الدوام وفي كل حال لهم بصمات واضحات المعالم  لم يبخلوا بها، ولم يدخروا جهداً من شأنه إبراز المشهد الأدبي والثقافي بصورة ناصعة البياض من الممارسة والتعامل الجاد والرصين في إنتاج مشهد ثقافي وأدبي رفيع المستوى يعكس روح الأديب الذي جند عقله وفكره ووجدانه لخدمة الإنسان المشدود لتلقي مثل هذه الوجدانيات التي تخاطب عقله وقلبه ونفسه وما يجيش فيه ويعتمل في خاطره.
وحقيقة فما زال في وسطنا الأدبي من تشعر بصدق انتمائهم، والطموح الذي يسكن نفوسهم للارتقاء بهذا المشهد ورواده على كل حال، مهمة يضطلع بها هؤلاء قناعة منهم بضرورة الفعل الإيجابي الكفيل بتغيير المفاهيم وتبدل الواقع إلى حال يرضي منتسبيه بما سينتج عنه من اهتمام حقيقي وواقعي بالمثقفين الذين غيبوا ومازال واقع التهميش ينهش فيهم كغول ناشب أظفاره على رؤوسهم على الواقع الذي يرزحون تحت سياطه ووطأته.

 

تعليق عبر الفيس بوك