بكيت مبتسما

عائض الأحمد

علامات البؤس والشقاء كانت لا تفارق محياها، رغم كل مظاهر ادعاء الفرح والابتسامات التى توزعها هنا وهناك، تجلس دائما في الصفوف الأولى إن لم تكن تتوسط أي مشهد تجدها فيه حاضرة.

كان كل من حولها يعتقد أنها المرأة القوية التى فرضت هيبتها وشخصيتها على أبنائها؛ فهي الراعي لهم بعد الله، تحملت الكثير، وضحت بأجمل أيام عمرها، لتقطف ثمرة زرعها عندما تكبُر فخرا وعزة لتقول هؤلاء هم أبنائي.

لم تكن رغم الهدوء الذي يُصاحبها، ونظرة الشموخ التى تتحلى بها، غير بركان ثائر ينتظر ساعة الصفر ليُعلن لكل من حوله: هل هذا جزاء المعروف؟ ماذا جنيت من قبح ليتنكَّر لي أغلى أحبتي؟ أي زرع زرعته؟ كُنت أخاف عليه من حرارة الشمس فأحضنه راضية، ومن البرد قانعة، ومن مرارة سؤال الناس، مجحفة في حق نفسي لمن كنت أظنه أغلى منها.

أى ذنب جنيت بُني؟ وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ وهل بعد النعمة إلا الشكر والعرفان؟

كنت أعتقد أن الجمال ما أراه فقط، وليس ما يخبئ خلفه من ألم.

هيهات يا صغيري أن يعود ما مضى لدموع كانت هي مَلجأ في أيام خلت، واليوم تحتفل بك عندما أصبحت رجلا ذا شأن.

كنت أنت عنوانَ منزلي، كنت لقبا أحمله، وظننت أنه باقٍ إلى أن تحملنى على أكتافك لتواريني الثرى.

لم أكن لك غير سبب وطريق مشيته: يوما تقف، ويوما تسقط، وأنا عينك هنا ويدك هناك.

تعلمتُ منك بعد كل هذا أن أمضي قدما ليس حزنا على ما فات أو بُشرى بما هو آت، إنما عبرة تصنع مني شخصًا يعي أين يضع قدمه بعد اليوم. لن أطلب منك قدرا أرجوه، فأنا لم أعد أنتظر عودتك.

ثم تُبادر: هل بكيت يوما مبتسما؟ تخلط بين أمل ويأس وحماقة قدر أنت من صنعه في لحظات ضعف؟ لم يكن لك فيه خيار غير ما فعلت حتى لو عادت بك الأيام ستكون أنت.

الجحود ليس له إلا معنى واحد، هل تعلم ما هو أن يقف أحد أبنائك بين يديك متحديا ومعتقدا بأنه ندٌّ لك؟

عندما تشعر بعصف داخلك وزوابع مرارة تُرهقك فترفع يديك مستبشرا لبارئك هو ناصرك وحده لا أحد سواه؟

ثم ثق بأن الأقدار لا تحمل الأوزار، فشتان بين جحود إنسان وغفلة آخر..... شتان.

--------------

ومضة:

تُخطئ عندما تظن أن ما تراه فقط هو الجمال.